(خُيِّرَ) الشَّاهِدُ فِي الرَّفْعِ وَالتَّرْكِ (كَالزِّنَا) وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِفِسْقِهِ وَأَمَّا هُوَ فَيُنْدَبُ الرَّفْعُ (بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ) أَيْ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَقْدَحُ (كَالْمُخْتَفِي) عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ إذَا تَحَقَّقَهُ
(وَلَا) (إنْ اُسْتُبْعِدَ) الْإِشْهَادُ (كَبَدْوِيٍّ) يُسْتَشْهَدُ فِي الْحَضَرِ (لِحَضَرِيٍّ) عَلَى حَضَرِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُسْتَبْعَدُ حُضُورُ الْبَدْوِيِّ فِيهِ دُونَ الْحَضَرِيِّ (بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ) يُقِرُّ بِشَيْءٍ لِحَضَرِيٍّ أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ بِحَضَرِيٍّ أَمْرًا كَغَصْبٍ وَضَرْبٍ فَلَا يُسْتَبْعَدُ فَيُقْبَلُ وَكَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ عَامَلَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ فِي سَفَرِهِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ لِلْحَضَرِيِّ عَلَى حَضَرِيٍّ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ مُرَّ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَرَّ الْحَضَرِيَّانِ بِالْبَدْوِيِّ فِي سَفَرٍ وَكَذَا إذَا مَرَّ بِهِمَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَدَارَ الْمَنْعِ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ عَادَةً
(وَلَا) (سَائِلٍ) لِنَفْسِهِ صَدَقَةً غَيْرَ زَكَاةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ شَهِدَ (فِي) مَالٍ (كَثِيرٍ) وَهُوَ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِشْهَادِهِ فِيهِ مَعَ تَرْكِ غَيْرِهِ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الِاسْتِبْعَادُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حَقِّ اللَّهِ بَلْ كَانَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ (قَوْلُهُ خُيِّرَ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّفْعُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ تَرْكَ الرَّفْعِ أَوْلَى (قَوْلُهُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ) أَيْ فَحَقُّ اللَّهِ فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْهُمَا فَإِذَا زَنَى الشَّخْصُ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَصَلَ التَّحْرِيمُ وَانْقَضَى بِالْفَرَاغِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَالتَّرْكُ أَوْلَى) أَيْ مَنْدُوبٌ وَقَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا كَانَ التَّرْكُ وَاجِبًا وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ وَفِي الْمَوَّاقِ أَنَّ سَتْرَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا (قَوْلُهُ فَيُنْدَبُ الرَّفْعُ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَالْمُخْتَفِي) أَيْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْتَوْعَبَ كَلَامُهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ كَمَا فِي الْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَبُولِهَا مِنْ الْمُخْتَفِي وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي النَّوَادِرِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ اهـ بْن
(قَوْلُهُ وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي اُسْتُبْعِدَ لِلْعَدِّ وَالنِّسْبَةِ نَحْوُ اسْتَحْسَنَتْ كَذَا أَيْ عَدَدْته حَسَنًا وَنَسَبْته لِلْحُسْنِ وَفَاعِلُ اُسْتُبْعِدَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْإِشْهَادِ بِمَعْنَى طَلَبِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ إذَا اسْتَبْعَدَهُ الْعَقْلُ أَيْ اسْتَغْرَبَهُ أَيْ نَسَبَهُ لِلْبُعْدِ وَالْغَرَابَةِ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ أَدَائِهَا (قَوْلُهُ كَبَدْوِيٍّ يُسْتَشْهَدُ) أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَضَرِ لِحَضَرِيٍّ أَوْ لِبَدْوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ عَلَى بَدْوِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَنَحْوِ الْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْبَدْوِيِّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَاضِرَةِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إذَا أَدَّاهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ إشْهَادِ الْحَضَرِيِّ وَطَلَبِ الْبَدْوِيِّ لِتَحَمُّلِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِيهِ رِيبَةٌ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَسْتَبْعِدُ وَيَسْتَغْرِبُ إحْضَارَ الْبَدْوِيِّ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْحَضَرِيِّ وَأَمَّا لَوْ تَحَمَّلَ الْبَدْوِيُّ الشَّهَادَةَ فِي الْحَضَرِ لِحَضَرِيٍّ أَوْ بَدْوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ بَدْوِيٍّ بِحِرَابَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ كَغَصْبٍ وَضَرْبٍ وَأَدَّاهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ لِعَدَمِ الِاسْتِبْعَادِ فِي تَحَمُّلِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا بَلْ تُصَادِفُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ أَيْ طَلَبُ تَحَمُّلِهِ الشَّهَادَةَ لِحَضَرِيٍّ وَلَا مَفْهُومَ لِحَضَرِيٍّ بَلْ وَكَذَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ تَحَمُّلُهَا لِبَدْوِيٍّ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى حَضَرِيٍّ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَيْضًا فَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْبَدْوِيِّ اُسْتُشْهِدَ فِي الْحَاضِرَةِ فِيمَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا اسْتِشْهَادُ الْحَضَرِيِّ فِي الْبَادِيَةِ عَلَى الْبَدْوِيِّ أَيْ طَلَبُ الْحَضَرِيِّ بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَدْوِيِّ فَقَدْ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ لِحَضَرِيٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَرَوِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا فَالْمُرَادُ بِالْحَضَرِيِّ مَا قَابَلَ الْبَدْوِيَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ) أَيْ إنْ سَمِعَ الْبَدْوِيُّ الْحَضَرِيَّ (قَوْلُهُ فَلَا يُسْتَبْعَدُ) أَيْ تَحَمُّلُهُ لِلشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ فَيُقْبَلُ أَيْ أَدَاؤُهَا (قَوْلُهُ فَلَا يُسْتَبْعَدُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ) أَيْ تَحَمُّلُ الْبَدْوِيِّ الشَّهَادَةَ لِلْحَضَرِيِّ عَلَى الْحَضَرِيِّ لِأَنَّ هَذَا تَحَمُّلٌ فِي الْبَادِيَةِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ وُجُودِ حَضَرِيٍّ إذْ ذَاكَ يَشْهَدُ أَنَّهُ (قَوْلُهُ أَيْ مَرَّ الْحَضَرِيَّانِ بِالْبَدْوِيِّ) أَيْ فَأَشْهَدَ أَحَدُهُمَا الْبَدْوِيَّ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ وُجُودِ حَضَرِيٍّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُشْهِدُهُ
(قَوْلُهُ وَلَا سَائِلٍ لِنَفْسِهِ صَدَقَةً) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً فَقَوْلُهُ فِي كَثِيرٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ لَا بِسَائِلٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ أَنَّ شَهَادَةَ السَّائِلِ إنَّمَا تُرَدُّ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي حِرَابَةٍ وَقَتْلٍ وَجُرْحٍ وَقَذْفٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي مَالٍ كَثِيرٍ) أَيْ وَتُقْبَلُ فِي التَّافِهِ مِنْ الْمَالِ كَمَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ كَالْحِرَابَةِ وَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الِاسْتِبْعَادُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ الْكَثِيرَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الشَّأْنِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْعُدُولُ عَنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute