وَبَيَّنَ حَرَمَهَا بِقَوْلِهِ (بَيْنَ الْحِرَارِ) الْأَرْبَعِ الْمُحِيطَةِ بِهَا بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حَرَّةٍ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ نَخِرَةٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَالْمَدِينَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ دَاخِلَةٌ، وَفِي قَوْلِهِ " الْحِرَارِ " تَجَوُّزٌ إذْ لَيْسَ لَهَا إلَّا حَرَّتَانِ لَكِنْ لِمَا اشْتَمَلَتْ كُلُّ حَرَّةٍ عَلَى طَرَفَيْنِ سَاغَ لَهُ الْجَمْعُ (وَ) كَحُرْمَةِ قَطْعِ (شَجَرِهَا) وَيُعْتَبَرُ الْحَرَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (بَرِيدًا) مِنْ طَرَفِ الْبُيُوتِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسُوَرُهَا الْآنَ هُوَ طَرَفُهَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ مِنْ الْبُيُوتِ يَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِهِ أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ، وَالْمَدِينَةُ خَارِجَةٌ عَنْهُ فَيَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ الَّذِي بِهَا وَيُعْتَبَرُ الْبَرِيدُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (فِي بَرِيدٍ) أَيْ بَرِيدًا مَعَ بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلَوْ قَالَ بَرِيدًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَحَذَفَ قَوْلَهُ " فِي بَرِيدٍ " لَكَانَ أَحْسَنَ.
(وَالْجَزَاءُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ يَكُونُ (بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ) وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ فَلَا يَكْفِي الْفَتْوَى وَلَا حُكْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وَاحِدٍ فَقَطْ (فَقِيهَيْنِ) أَيْ عَالِمَيْنِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَحْكَامِ الصَّيْدِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الصَّيْدِ فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَدْرُ فِي الْجُمْلَةِ كَافٍ وَهَذَا هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ أَيْ الْجَزَاءُ وَمَحِلُّهُ مِنًى أَوْ مَكَّةُ كَالْهَدْيِ الْآتِي.
وَبَيَّنَ الْمِثْلَ بِقَوْلِهِ (مِنْ النَّعَمِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (أَوْ إطْعَامٍ) ، أَوْ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْجَزَاءِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ (بِقِيمَةِ الصَّيْدِ) نَفْسِهِ أَيْ يُقَوَّمُ حَيًّا كَبِيرًا بِطَعَامٍ لَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يُشْتَرَى بِهَا طَعَامٌ فَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ أَكْلُهُ كَخِنْزِيرٍ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ طَعَامًا عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَ التَّلَفِ) لَا يَوْمَ تَقْوِيمِ الْحَكَمَيْنِ وَلَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَيَكُونُ مِنْ جُلِّ طَعَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْ الْإِطْعَامِ وَالتَّقْوِيمِ (بِمَحِلِّهِ) أَيْ مَحِلِّ التَّلَفِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ بِمَحِلِّ التَّلَفِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِطْعَامُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَبَيَّنَ حَرَمَهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ. (قَوْلُهُ: وَكَحُرْمَةِ قَطْعِ شَجَرِهَا) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا شَأْنُهُ أَنَّهُ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَمَا اُسْتُثْنِيَ فِيمَا مَرَّ فِي النَّابِتِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ يُسْتَثْنَى هُنَا. (قَوْلُهُ: أَيْ بَرِيدًا مَعَ بَرِيدٍ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَلَقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَرِيدَ بَرِيدٌ فَيَكُونُ الْحَرَمُ رُبُعَ بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّ الْبَرِيدَ إذَا فُرِّقَ عَلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ نَابَ كُلَّ جِهَةٍ رُبُعُ بَرِيدٍ مَعَ أَنَّ الْحَرَمَ بَرِيدٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ " فِي " بِمَعْنَى " مَعَ " عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: ٣٨] وَالْمَعْنَى بَرِيدًا مُصَاحِبًا لِبَرِيدٍ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ جِهَاتِهَا.
(قَوْلُهُ: بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ) فَلَا يَكْفِي إخْرَاجُهُ وَحْدَهُ بِدُونِ حَكَمَيْنِ يَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِهِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْحَكَمَيْنِ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ) أَيْ فِي كُلِّ نَوْعٍ اخْتَارَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ يَقُولَا لَهُ: حَكَمْنَا عَلَيْكَ بِشَاةٍ مَثَلًا قَدْرُهَا كَذَا، أَوْ بِكَذَا مُدًّا مِنْ الطَّعَامِ، أَوْ بِصَوْمِ كَذَا بَعْدَ أَنْ يَخْتَارَ النَّوْعَ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهِ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُكْمٌ وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَا مُتَأَكِّدَيْ الْقَرَابَةِ اهـ عَدَوِيٌّ وَفِي ح وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِ الْحُكْمِ فِي الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُكْمُ وَنَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا عَنْ الْبَاجِيَّ قَالَ طفى عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ح قُلْت أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فَظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَحِلِّهِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إنْ أَرَادَ ابْتِدَاءً أَنْ يَصُومَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِ فَيُنْظَرَ لِقِيمَةِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ الصَّوْمِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الطَّعَامِ وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ إلَّا بِحُكْمٍ وَإِنْ أَرَادَ الْإِطْعَامَ فَلَمَّا حَكَمَا بِهِ أَرَادَ الصِّيَامَ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُحْتَاجُ لِحُكْمِهِمَا بِالصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ مِنْ الطَّعَامِ لَا مِنْ الْهَدْيِ وَكَأَنَّ الصَّوْمَ مُتَقَرَّرٌ بِالطَّعَامِ بِتَقْرِيرِ الشَّرْعِ فَلَا حَاجَةَ لِلْحَكَمَيْنِ اهـ فَيُنَزَّلُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُنَزَّلُ كَلَامُ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَاجِيِّ عَلَى الثَّانِي وَحِينَئِذٍ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي الْفَتْوَى) أَيْ بِأَنْ يَقُولَا لَهُ: حَيْثُ قُلْتَ كَذَا يَلْزَمُكَ كَذَا. (قَوْلُهُ: وَلَا وَاحِدٍ) أَيْ وَلَا يَكْفِي حُكْمُ وَاحِدٍ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِأَحْكَامِ الصَّيْدِ) أَيْ لَا بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ) أَيْ أَنَّ " الْجَزَاءُ " مُبْتَدَأٌ وَ " مِثْلُهُ " خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: بِحُكْمِ إلَخْ حَالٌ إمَّا مِنْ الْمُبْتَدَأِ أَوْ مِنْ الْخَبَرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ " الْجَزَاءُ " مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ " بِحُكْمِ "، وَ " مِثْلُهُ " بَدَلٌ مِنْ الْمُبْتَدَأِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُجَازَى بِهِ وَالْمُكَافَأِ بِهِ وَهُوَ مِثْلُهُ يَكُونُ بِحُكْمِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْجَزَاءِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ) اعْلَمْ أَنَّ النَّقْلَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي جَمِيعِ الصَّيْدِ مَا وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مَتَى اخْتَارَ الْمُكَفِّرُ نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ بِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلصَّيْدِ مِثْلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَمَتَى اخْتَارَ نَوْعًا مِنْهُمَا أَلْزَمَاهُ بِهِ وَكُلُّ هَذَا فِي غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِمَا فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا شَاةٌ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ يُقَوَّمُ حَيًّا كَبِيرًا بِطَعَامٍ) بِأَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي هَذَا الصَّيْدُ لَوْ كَانَ حَيًّا كَبِيرًا مِنْ أَغْلَبِ طَعَامِ هَذَا الْمَحِلِّ الَّذِي قُتِلَ بِهِ فَيُقَالَ كَذَا فَيَحْكُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يُشْتَرَى بِهَا طَعَامٌ) أَيْ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَأَمَّا لَوْ قَوَّمَهُ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضٍ وَأَخْرَجَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْ الطَّعَامِ وَالتَّقْوِيمِ بِمَحِلِّهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الْجَزَاءَ مِنْ النَّعَمِ اُخْتُصَّ بِالْحَرَمِ، وَإِنْ صَامَ فَحَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute