للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ عَلَى خَمْسٍ، وَطَهَارَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ عَلَى سَبْعٍ عِنْدَهُمْ (مَنْسُوخَانِ اجْتِهَادًا) مِنْهُمْ (بِالتَّرْجِيحِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ بِسَبَبِ تَرْجِيحِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ فَرَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ، وَإِلَّا كَانَ تَرْكًا لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّارِعِ فَتَأَمَّلْ اهـ.

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ: وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِالثَّلَاثِ مَا رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» مَعَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ الْأَوَّلِ قَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا فَقَدْ قَالَ أَيْضًا: لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: صَدُوقٌ فَاضِلٌ ثُمَّ كَمَا مَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا، وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ قَرِينَةً تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ، وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ.

فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَ التَّقَدُّمَةُ لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْغَسْلُ مِنْهَا تَعَبُّدِيًّا بَلْ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ الْمَنَاطُ ظَنَّ زَوَالِهَا كَمَا فِي الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَوُقُوعُ غَسْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثًا جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ الرَّضَاعِ إطْلَاقُ الْكِتَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] وَالسُّنَّةُ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .

وَيُقَدَّمُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ لِقَطْعِيَّتِهِ، وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ سَنَدًا وَمَتْنًا بِخِلَافِ حَدِيثِ الْخَمْسِ فَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مُنْكَرٌ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ، وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ؛ إذْ الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ (أَوْ نَقْلًا) أَيْ أَوْهَمَا مَنْسُوخَانِ نَقْلًا، وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِغَسْلِهِ سَبْعًا مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَمَلُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ظَنِّيَّةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْعِيٌّ حَتَّى يَنْسَخَ بِهِ الْكِتَابَ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ؛ إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكَهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ غَيْرَ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الثَّلَاثِ لَا يَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ مِنْهُ جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ بِخِلَافِهِ عَلَى غَيْرِ تَقْدِيرِ لُزُومِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ

وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ الرَّضْعَةَ لَا تُحَرِّمُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ آلَ أَمْرُ الرَّضَاعِ إلَى أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحَرِّمُ ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الْآثَارُ صَالِحَةً لِنَسْخِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ تُكَافِئْهُ فِي صِحَّةِ السَّنَدِ ظَاهِرًا لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ ثُبُوتِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْدُودٌ بُطْلَانُهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَتَقْوَى هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى نَسْخِهِ وَيَقَعُ الْقَطْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>