نَقْلُهُ لِلْمَذْهَبِ، وَعَزْوُهُ إلَى الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهُ هُنَا لِأَنَّ كِتَابَنَا هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا قَالَهُ، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَحَاذِيرِ فِي التَّأْلِيفِ النَّقْلِيِّ: إهْمَالُ نَقْلِ الْأَلْفَاظِ بِأَعْيَانِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِنَقْلِ الْمَعَانِي، مَعَ قُصُورِ التَّأَمُّلِ عَنْ اسْتِيعَابِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ الْأَوَّلِ بِلَفْظِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ مُفَرَّعَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِحُصُولِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، أَوْ الْكَاتِبِ بِكِتَابَتِهِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي: يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ، وَالنَّسْخِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالِاشْتِرَاكِ، وَالتَّجَوُّزِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالنَّقْلِ، وَالْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ، فَكُلُّ نَقْلٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ حُصُولُ بَعْضِ الْأَسْبَابِ، وَلَا نَقْطَعُ بِانْتِفَائِهَا نَحْنُ وَلَا النَّاقِلُ وَلَا نَظُنُّ عَدَمَهَا، وَلَا قَرِينَةَ تَنْفِيهَا، وَلَا نَجْزِمُ فِيهِ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ رُبَّمَا ظَنَنَّاهُ، أَوْ تَوَهَّمْنَاهُ، وَلَوْ نَقَلَ لَفْظَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَرَائِنِهِ، وَتَارِيخِهِ، وَأَسْبَابِهِ: لَانْتَقَى هَذَا الْمَحْذُورُ أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِنَقْلِ الْمُتَحَرِّي فَيُعْذَرُ تَارَةً لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ لِأَسْبَابٍ ظَاهِرَةٍ وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْمَسَائِلِ الْفُرُوعِيَّةِ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ التَّظَاهُرُ بِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَالتَّنَاصُرُ لَهَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَصَارَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ مِنْهَا أَحْزَابٌ وَأَنْصَارٌ، وَصَارَ دَأْبُ كُلِّ فَرِيقٍ نَصْرَ قَوْلِ صَاحِبِهِمْ، وَقَدْ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى مَأْخَذِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِمَا أَثْبَتَهُ بِهِ إمَامُهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِالْمُوَافَقَةِ، وَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَشْعُرُ بِالْمُخَالَفَةِ.
وَمَحْذُورُ ذَلِكَ: مَا يَسْتَجِيزُهُ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ تَخْرِيجِ أَقَاوِيلِ إمَامِهِ مِنْ مَسْأَلَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute