للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْكَمَالُ: الْحَقُّ نَعَمْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: كُونِي طَالِقًا أَوْ اُطْلُقِي أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَعَ، وَكَذَا يَا طَالِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ أَوْ أَنْتِ طَالِ بِالْكَسْرِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ،

ــ

[رد المحتار]

أَوْ قَالَ وَطَلَاقُك لَازِمٌ لِي يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ. وَنَقَلَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ لِتَعَارُفِ النَّاسِ لَا فِي قَوْلِهِ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ لَازِمٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَمُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا كَمَا عَلِمْت. وَعَلَّلَ الْخَاصِّيُّ الْوُقُوعَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمَهُ، وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءً، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرَ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ، بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا أَنِّي فَعَلْته فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ الْحَقُّ نَعَمْ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَقَرَّاهُ عَلَيْهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِمَا الْخِلَافَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ فَتَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: الْمُخْتَارُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَيَقَعُ فِي عَصْرِنَا نَظِيرُ هَذَا، يَطْلُبُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَتَقُولُ أَبْرَأَك اللَّهُ وَكَانَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى وَكَتَبَتْ بِصِحَّتِهَا لِتَعَارُفِهِمْ بِذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْخُلْعِ (قَوْلُهُ كُونِي طَالِقًا أَوْ اطَّلَّقِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ كُونِي لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهَا طَالِقًا مِنْهَا بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ كَوْنِهَا طَالِقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢] لَيْسَ أَمْرًا بَلْ كِنَايَةٌ عَنْ التَّكْوِينِ وَكَوْنُهَا طَالِقًا يَقْتَضِي إيقَاعًا قَبْلُ فَيَتَضَمَّنُ إيقَاعًا سَابِقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ اطَّلَّقِي وَمِثْلُهُ لِلْأَمَةِ كُونِي حُرَّةً. (قَوْلُهُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَكَذَا قَضَاءً فِي الصَّحِيحِ وَفِي. التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ يَا مُطَلَّقَةُ لَا تَقَعُ أُخْرَى (قَوْلُهُ بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ تَشْدِيدِ اللَّامِ؛ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَعَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا) ذِكْرُ الضَّمِّ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّمُّ كَذَلِكَ، إذْ هُوَ لُغَةُ مَنْ لَا يَنْتَظِرُ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي تَوَقُّفُ الضَّمِّ أَيْضًا عَلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْآخَرَ لَمْ تَكُنْ مَادَّةُ ط ل ق مَوْجُودَةً وَلَا مُلَاحَظَةً فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، بِخِلَافِ الْكَسْرِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَنْتَظِرُ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الضَّمَّ فِي نِدَاءِ التَّرْخِيمِ لَمَّا كَانَ لُغَةً ثَابِتَةً لَمْ يَخْرُجْ بِهِ اللَّفْظُ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْمُرَادِ بِهِ قَبْلَ النِّدَاءِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ اللَّفْظَ الْمُرَخَّمَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نِدَاءَ تِلْكَ الْمَادَّةِ وَأَنَّ انْتِظَارَ الْمَحْذُوفِ وَعَدَمَهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ بِدَوْرِهِ لِيَبْنُوا عَلَيْهِ الضَّمَّ وَالْكَسْرَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُنَادَى اسْمًا آخَرَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ نِدَاؤُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتِ طَالِ بِالْكَسْرِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَاقُ بِحَذْفِ اللَّامِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ حَذْفَ آخِرِ الْكَلَامِ مُعْتَادٌ عُرْفًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْسِرْ اللَّامَ فِي غَيْرِ الْمُنَادَى تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ: أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْمُذَاكَرَةِ وَالْغَضَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي كِنَايَاتِ الْفَتْحِ أَنَّ الْوَجْهَ إطْلَاقُ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ صَرِيحًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، فَانْتَفَى لُغَةً وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ قَضَاءً أَسْكَنَهَا أَوْ لَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>