للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَيْنَ هُوَ وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي صِبَاهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ، فَيَسْتَقْصِي الْقَاضِي احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (وَعَدَلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ (حَكَمَ بِهِ) وُجُوبًا، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا فَالشَّهَادَةُ أَوْلَى نَهْرٌ.

(وَيَثْبُتُ) أَيْضًا (بِإِقْرَارِهِ)

ــ

[رد المحتار]

فِي هَذَا الزِّنَا الزِّنَا الْخَاصِّ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْخَاصَّ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْمَاهِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ احْتِيَاطًا فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَكَيْفَ هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْتِيبِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ لَا عَلَى الزَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِبَاهُ) وَكَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَكِنْ فِي زَمَانٍ مُتَقَادِمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حَدُّ التَّقَادُمِ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَأَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنًا الْمَرْأَةِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَمَّنْ زَنَى بِهَا مَنْ هُوَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَزِيَادَةِ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيَّنُوهُ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ، خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالُوا إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَبَيَّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَتِمُّ الْبَيَانُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) السِّرُّ بِأَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ، فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَلَانِيَةُ بِأَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ وَيَقُولُ هَذَا الَّذِي زَكَّيْته يَعْنِي سِرًّا، وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا، بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الْإِمَامِ.

قَالُوا: وَيَحْبِسُهُ هُنَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَ مُتَّهَمًا، وَالْمُتَّهَمُ يُعَزَّرُ وَالْحَدُّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ) أَمَّا لَوْ عَلِمَ عَدَالَتَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ الْمُزَكِّي، وَلَوْلَا إهْدَارُ الشَّرْعِ إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قِيلَ وَالِاكْتِفَاءُ بِعِلْمِهِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ.

قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِالشَّهَادَةِ لَا بِعِلْمِهِ بِالْعَدَالَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَكَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا) مِنْ هَتَكَ زَيْدٌ السِّتْرَ هَتْكًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: خَرَقَهُ، وَهَتَكَ اللَّهُ سِتْرَ الْفَاجِرِ فَضَحَهُ مِصْبَاحٌ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ سَوْقِهِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى نَدْبِ السِّتْرِ: وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدِ وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ، بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا اهـ مُلَخَّصًا.

بَقِيَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَهَتِّكًا دُونَ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةُ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا بِالتَّقَادُمِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا.

ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ فَقَالَ: الْمُقَرَّرُ أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهَا دُونَ الْفِرَارِ، وَكَمَا يَمْنَعُ التَّقَادُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>