للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ قُطْرٍ وَقُطْرٍ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الدَّجَّالَ، قُلْنَا: مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ أَوْجَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَقِسْ عَلَيْهِ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ، غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» . اهـ. وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: كَمَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، فَكَذَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ لِلْوُجُوبِ أَسْبَابًا وَشُرُوطًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا، وَقَوْلُك شَرْعًا عَامًّا إلَخْ إنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَأَسْبَابُهُ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُك لِعَدَمِ بَعْضِ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا فَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَبَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَهَكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ إذَا طَهُرَتْ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ أَوْ فِي أَكْثَرِهِ مَثَلًا يَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ صَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِأَجْلِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ.

فَإِنْ قُلْت: تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَيْضِ. قُلْنَا لَك: كَذَلِكَ تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِافْتِرَاضِ الصَّلَوَاتِ خَمْسًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي وَضْعِ الْأَسْبَابِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الزَّمَانِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَوْ وُكِّلْنَا فِيهِ لِاجْتِهَادِنَا لَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ وَاكْتَفَيْنَا بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. اهـ.

وَلَئِنْ سَلِمَ الْقِيَاسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ زَمَانٌ يُقَدَّرُ لِلْعِشَاءِ فِيهِ وَقْتٌ خَاصٌّ. وَالْمُفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتٌ خَاصٌّ بِهَا لَيْسَ هُوَ وَقْتًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، بَلْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ مَا بَعْدَهَا قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا، وَإِذَا مَضَى صَارَتْ قَضَاءً كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَكَأَنَّ الزَّوَالَ وَصَيْرُورَةَ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَغُرُوبَ الشَّمْسِ وَغَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ وَطُلُوعَ الْفَجْرِ مَوْجُودَةٌ فِي أَجْزَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ تَقْدِيرًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا إذْ الزَّمَانُ الْمَوْجُودُ إمَّا وَقْتٌ لِلْمَغْرِبِ فِي حَقِّهِمْ أَوْ وَقْتٌ لِلْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ.

وَلِذَا سَلَّمَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ - إنْصَافًا مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ سَقَطَ ثُمَّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ، فَكَذَا هُنَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ شَرْطِهَا بَلْ وَسَبَبِهَا أَيْضًا، وَكَمَا لَمْ يَقُمْ هُنَاكَ دَلِيلٌ بِجَعْلِ مَا وَرَاءِ الْمِرْفَقِ إلَى الْإِبْطِ وَمَا فَوْقَ الْكَعْبِ بِمِقْدَارِ الْقَدَمِ خَلَفًا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، كَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ يَجْعَلُ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْهُمَا خَلَفًا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَكَمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَذَا فَرَائِضُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ جَمِيعِ أَسْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>