وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ وَارِثُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا.
(لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ بِقَوْلِهِ (بَلْ) الْقَاتِلُ (عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَدِيَةٌ) قَالُوا هَذَا إذَا اخْتَلَطُوا، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . قُلْت: فَإِذَا كَانَ مُكَثِّرُ سَوَادِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَزَيَّ بِزِيِّهِمْ فَكَيْفَ بِمَنْ تَزَيَّا قَالَهُ الزَّاهِدِيُّ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: حَتَّى لَوْ تَشَكَّلَ جِنِّيٌّ بِمَا يُبَاحُ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ ثُمَّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ جِنِّيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ) وَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي: الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ فِي حَجِّ الْمُضْمَرَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّخْصِيصُ بِاسْمِ الْعَدَدِ لَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا أَلْحَقْنَا الرُّمْحَ وَالْخِنْجَرَ بِالسَّيْفِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» فَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ قَادَ بِالسَّيْفِ، فَلَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ أَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ عُزِّرَ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً اهـ جَوْهَرَةٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ. وَأَجَابَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ أَوَّلًا هُوَ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا عَفَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَوَّلًا لِمَا سَقَطَ بِعَفْوِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الْحُرَّ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَوْلَاهُ لَا لَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ؟ وَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ تَسْقُطُ؟ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا) أَيْ لِلْمَجْرُوحِ أَصَالَةً وَلِلْوَارِثِ نِيَابَةً قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ، تَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا (قَوْلُهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ) فِيهِ أَنَّهُ بَيَّنَ مُوجَبَ الْخَطَأِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ تَكْرَارٌ اهـ ح (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ خِلَافَهُ.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: عَلِمَ مُسْلِمًا بِعَيْنِهِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْعَدُوُّ مُكْرَهًا فَعَمِدَهُ بِالرَّمْيِ وَهُوَ يَعْلَمُ يَجِبُ الْقَوَدُ قِيَاسًا وَلَا يَجِبُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي مَوْضِعِ إبَاحَةِ الْقَتْلِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَلَوْ قَالَ وَلِيُّهُ قَصَدْتَهُ بِرَمْيِك بَعْدَ عِلْمِك أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقَالَ الرَّامِي بَلْ قَصَدْتُ الْمُشْرِكِينَ فَالْقَوْلُ لِلرَّامِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الرَّمْيِ إلَى صَفِّهِمْ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ يَنْبَغِي جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ لَوْ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ» ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ " وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ، فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ إلَّا إذَا قَتَلَ بِاللِّوَاطَةِ أَوْ إيجَارِ الْخَمْرِ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ السِّلَاحِ كَأَنْ سَاقَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute