للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ قِيلَ فِي السِّجْنِ لِيَلِيَ الْقَضَاءَ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً بِتَارِيخِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، قِيلَ وَيَوْمَ تُوُفِّيَ وُلِدَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعُدَّ مِنْ مَنَاقِبِهِ. وَقَدْ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي مُخَالَفَةِ تَلَامِذَتِهِ لَهُ أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا يَلْعَبُ فِي الطِّينِ فَحَذَّرَهُ مِنْ السُّقُوطِ،

ــ

[رد المحتار]

لَهَا، وَأَنَّهَا لَا تَكَادُ تُعْرَفُ، وَبِذَلِكَ رُدَّ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَوَى عَنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ «أَكْثَرُ جُنْدِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ الْجَرَادُ، لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ، وَزَادَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هُنَا مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ الْإِمَامُ فَقَالَ: وَمِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (٨٨) وَقِيلَ بَعْدَهَا. وَمِنْهُمْ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ إحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (٩٦) وَمِنْهُمْ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (٩٩) .

(قَوْلُهُ: رَضِيَ اللَّهُ) الْأَصْوَبُ فَرَضِيَ بِالْفَاءِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ لِيَتِمَّ الْوَزْنُ وَيَسْلَمَ مِنْ ادِّعَاءِ دُخُولِ الْخَزْلِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: لِيَلِيَ الْقَضَاءَ) أَيْ قَضَاءَ الْقُضَاةِ لِتَكُونَ قُضَاةُ الْإِسْلَامِ مِنْ تَحْتِ أَمْرِهِ، وَالطَّالِبُ لَهُ هُوَ الْمَنْصُورُ فَامْتَنَعَ فَحَبَسَهُ، وَكَانَ يُخْرَجُ كُلَّ يَوْمٍ فَيُضْرَبُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَيُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ، ثُمَّ ضُرِبَ ضَرْبًا مُوجِعًا حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى عَقِبِهِ وَنُودِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ضُيِّقَ عَلَيْهِ تَضْيِيقًا شَدِيدًا حَتَّى فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ، فَبَكَى وَأَكَّدَ الدُّعَاءَ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَرَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ دُفِعَ إلَيْهِ قَدَحٌ فِيهِ سُمٌّ فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لَا أَعِينُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِي، فَصُبَّ فِي فِيهِ قَهْرًا، قِيلَ إنَّ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَنْصُورِ. وَصَحَّ أَنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ سَجَدَ فَمَاتَ وَهُوَ سَاجِدٌ.

قِيلَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَعْدَائِهِ دَسَّ إلَى الْمَنْصُورِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَثَارَ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْخَارِجَ عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْقَضَاءَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ لِيَتَوَصَّلَ إلَى قَتْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ [الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ] لِابْنِ حَجَرٍ.

وَذَكَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّ الْخَطِيبَ رَوَى بِسَنَدِهِ أَنَّ أَبَا هُبَيْرَةَ كَانَ عَامِلَ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ فَكَلَّمَ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ فَأَبَى فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَعَشْرَةَ أَسْوَاطٍ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَكَى وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، خُصُوصًا بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ هُوَ أَيْضًا اهـ. فَالظَّاهِرُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَبَنُو مَرْوَانَ قَبْلَ الْمَنْصُورِ فَإِنَّهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَقِصَّةُ أَبِي هُبَيْرَةَ كَانَتْ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ مِنْ الْعُمُرِ.

(قَوْلُهُ: بِتَارِيخِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُوُفِّيَ، فَمَا قَبْلَهُ بَيَانُ الْمَكَانِ وَهَذَا بَيَانُ الزَّمَانِ. مَطْلَبٌ فِي مَوْلِدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَوَفَاتِهِمْ وَمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ [فَائِدَةٌ]

قَدْ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وُلِدَ سَنَةَ (٨٠) وَمَاتَ سَنَةَ (١٥٠) وَعَاشَ (٧٠) سَنَةً. وَقَدْ وُلِدَ الْإِمَامُ مَالِكٌ سَنَةَ (٩٠) وَمَاتَ سَنَةَ (١٧٩) وَعَاشَ (٨٩) سَنَةً. وَالشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ (١٥٠) وَمَاتَ سَنَةَ (٢٠٤) وَعَاشَ (٥٤) سَنَةً. وَأَحْمَدُ وُلِدَ سَنَةَ (١٦٤) وَمَاتَ سَنَةَ (٢٤١) وَعَاشَ (٧٧) سَنَةً، وَقَدْ نَظَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مُشِيرًا إلَيْهِ بِحُرُوفِ الْجُمَلِ، لِكُلِّ إمَامٍ مِنْهُمْ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ:

تَارِيخُ نُعْمَانَ يَكُنْ سَيْفٌ سَطَا ... وَمَالِكُ فِي قَطْعِ جَوْف ضُبِطَا

وَالشَّافِعِيُّ صَيِّنٌ بِبِرْنَدٌ ... وَأَحْمَدُ بِسَبْقِ أَمْرٍ جُعِّدَ

فَاحْسُبْ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ الشِّعْرِ ... مِيلَادَهُمْ فَمَوْتُهُمْ كَالْعُمُرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>