حَقِيقَةً إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ مُجْتَبَى، وَفِيهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ ضِيقَ وَقْتِ الْفَجْرِ فَصَلَّاهَا وَفِيهِ سَعَةٌ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ وَفَرْضَهُ الْأَخِيرَ
ــ
[رد المحتار]
احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ مَضَى فِي الْعَصْرِ. قَالَ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا. اهـ.
أَقُولُ: فِي هَذَا التَّرْجِيحِ نَظَرٌ، يُوَضِّحُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَصْرِ لِمَعْرِفَةِ آخِرِ الْوَقْتِ، فَعِنْدَنَا آخِرُهُ فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَفِي حُكْمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَغَيُّرُ الشَّمْسِ. وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ: آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ؛ فَعِنْدَهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَنَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْفَرَاغُ مِنْ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ وَقْتًا لِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ الظُّهْرَ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَا يُمْكِنُهُ صَلَاتُهُ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ تَفْسُدْ الْعَصْرُ وَإِنْ كَانَ افْتَتَحَهَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ نَاسِيًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ التَّذَكُّرِ، مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَطَالَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ بَلْ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فَاعْتِبَارُ أَصْلِ الْوَقْتِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فَقِيهُ النَّفْسِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِلَفْظِ عِنْدَنَا، فَاقْتَضَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِذَا نُسِبَ الْقَوْلُ الْآخَرُ إلَى الْحَسَنِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ عِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ، بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُصَلِّيهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَقْضِي الْفَجْرَ، فَلَمْ يَجْعَلَا فَوْتَ الْجُمُعَةِ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ عُذْرًا فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عِبَارَةَ الْمُحِيطِ وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْوَقْتِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ لِنِسْبَةِ ضَاقَ: أَيْ ضَاقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا ظَنًّا، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ إلَخْ (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ اعْتِبَارَ أَصْلِ الْوَقْت. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى تَفْوِيتًا، بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ لِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَرَرْنَاهُ
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ) صُورَتُهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مَثَلًا ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْوِتْرَ مَثَلًا وَفَرْضَ الصُّبْحِ فَقَطْ وَلَمْ يَسَعْ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ. وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ ح عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ. اهـ.
قُلْت: رَاجَعْت الْمُجْتَبَى فَرَأَيْت فِيهِ مِثْلَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ جَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ.
(قَوْلُهُ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ) يَعْنِي يُعِيدُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا إذَا كَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ سَعَةٌ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضَيِّقَةٌ حَقِيقَةٌ فَيُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ أَوْ نُسِيَتْ الْفَائِتَةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ضَاقَ الْوَقْتُ. وَفِيهِ أَنَّ فَرْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute