للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ رُجِّحَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ بَحْرٌ (أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا) أَيْ يَسْقُطُ لُزُومُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ، كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَاكِرًا لِتَرْكِهِ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ، فَإِذَا قَضَى الْفَجْرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ جَازَ الْعَصْرُ، إذْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَنٌّ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.

ــ

[رد المحتار]

كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ صُبْحٍ مَثَلًا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَصَلَّى مَا بَيْنَهَا نَاسِيًا لِلْفَوَائِتِ.

(قَوْلُهُ أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَخْ) كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ نَسَقًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَرَكَ فَائِتَةً حَادِثَةً، فَإِنَّ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزَةٌ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ الْحَادِثَةِ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمُسْقِطَ الْفَوَائِتُ الْحَدِيثَةُ لَا الْقَدِيمَةُ، وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَوَاتِ، فَلَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِهَا وَصَحَّحَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي التَّجْنِيسِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَفِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت، وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا إلَخْ) هَذَا مُسْقِطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مُلْحَقًا بِالنِّسْيَانِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا كَمَا يُتَوَهَّمُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ شَارِحُو الْهِدَايَةِ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا كَعَدَمِ الطَّهَارَةِ اسْتَتْبَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا كَعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَلَا، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ فَرَعَيْنَ.

أَحَدُهُمَا: لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا أَعَادَ الْعَصْرَ لِأَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ.

ثَانِيهِمَا: لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا فَالْمَغْرِبُ صَحِيحَةٌ إذَا ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَصْرِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَسَادَ الْمَغْرِبِ. وَذَكَرَ لَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ إنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ، فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ اهـ أَيْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الظَّنُّ مِنْ الْجَاهِلِ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ هَذَا الظَّنِّ وَعَدَمِهِ فِي الْجَاهِلِ لَا الْعَالِمِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.

هَذَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَغْرِبُ أَيْضًا أَوْ شَافِعِيًّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَصْرُ أَيْضًا، أَوْ عَامِّيًّا فَلَا مَذْهَبَ لَهُ بَلْ مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ فَإِنْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَعَادَهُمَا أَوْ شَافِعِيًّا لَا يُعِيدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا وَصَادَفَ الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ فِي الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ مَا مَرَّ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعَيْنِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ تَبِعَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صَاحِبَ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ: إنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي عَامِّيٍّ لَمْ يُقَلِّدْ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ إلَخْ. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ لِمُصَادَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَامِّيٍّ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَوْ الْتَزَمَ التَّعَبُّدَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقِدًا صِحَّتَهُ وَقَدْ جَهِلَ هَذَا الْحُكْمَ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إمَامَهُ قَدْ اعْتَبَرَ رَأْيَهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبَ بِظَنِّهِ عَدَمَ وُجُوبِهِ، فَإِذَا كَانَ جَاهِلًا ذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ؛ وَلَوْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا فَأَفْتَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ تَصِحَّ فَتْوَاهُ اهـ.

(قَوْلُهُ جَازَ الْعَصْرُ) أَيْ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَمَا مَرَّ، وَأَطْلَقَهُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازُ الْعَصْرِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>