صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ إجماعا، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ، فَمَتَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالُ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوِ الطَّلَاقُ، أَوْ طَلَّقْتُكِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَعَنْهُ فِي " أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ ": لَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ طَلَاقًا مَاضِيًا، وَقِيلَ: وَطَلَّقْتُكِ كِنَايَةٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَالْخَبَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ إِنْشَاءٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ: أَنَّ الْعُقُودَ الشَّرْعِيَّةَ بِلَفْظِ الْمَاضِي إِخْبَارٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذِهِ الصِّيَغُ إِنْشَاءٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ، وَهِيَ إِخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَالْجد، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ وَالسَّرَاحَ يُسْتَعْمَلَانِ في غَيْرَ الطَّلَاقِ كَثِيرًا، فَلَمْ يَكُونَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا} [آل عمران: ١٠٣] الْآيَةَ، {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: ٤] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقَ، إِذِ الْآيَةُ فِي الرَّجْعِيَّةِ، وَهِيَ إِذَا قَارَنَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بِرَجْعَةٍ، وَإِمَّا أَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتُسَرَّحُ، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْرِيحِ فِي الْآيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْإِرْسَالُ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا، فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا، أَوْ أَرَادَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا، فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَنْتِ "، يَقَعُ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ " طَالِقٌ " وَبَعْدَ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: بَلْ طَلْقَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.
فَرْعٌ: إِذَا فَتَحَ تَاءَ أَنْتِ، طُلِّقَتْ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْوَفَاءِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْخِلَافِ لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا قُلْتِ لِي قَوْلًا وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَهُ - طُلِّقَتْ وَلَوْ عَلَّقَهُ. وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ، تَخَلَّصَ، وَبَقِيَ مُعَلَّقًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ: وَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ بِقَوْلِهِ بِفَتْحِ التَّاءِ، فَلَا يَجِبُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ التَّمَادِي إِلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَزَوَّجْتُكَ بِفَتْحٍ وَنَحْوِهِ يَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: مِنْ عَامِّيٍّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْوَاضِحِ " اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ: (صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ - إِجْمَاعًا، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ) كَالطَّلَاقِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute