وَقَعَ، وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ، لَمْ يَقَعْ، وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وجهين، وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَتَبَيَّنُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
و" الشَّرْحِ " بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِلطَّلْقَةِ الْوَاقِعَةِ، فَمَا اتَّصَلَ بِهِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا، فَصَارَتْ كَالْأُولَى (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَكُونُ بِالْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا، فَيَقَعُ مَا أَوْقَعَهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ (وَإِنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ) بِشَيْءٍ يُبَيِّنُ (وَنَوَى الْإِيقَاعَ - وَقَعَ) رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا الطَّلَاقُ، أَشْبَهَتِ النُّطْقَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْكَاتِبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْلِ مَرَّةً، وَبِالْكِتَابَةِ أُخْرَى؛ وَلِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَ نُطْقِهِ فِي إِثْبَاتِ الدُّيُونِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَرِيحٌ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَغْوٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ بِنَاءً عَلَى إِقْرَارِهِ بِخَطِّهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا صِحَّةُ الْوَلَايَةِ بِالْخَطِّ، وَصِحَّةَ الْحُكْمِ بِهِ.
(وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ، لَمْ يَقَعْ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِاللَّفْظِ غَيْرَ الْإِيقَاعِ، فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّ تَجْوِيدَ الْخَطِّ وَغَمَّ أَهْلِهِ لَا يُنَافِي الْإِيقَاعَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ نِيَّةَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الطَّلَاقُ: فَلَمْ يَقَعْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ.
(وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ فِي اللَّفْظِ الصَّرِيحِ عَلَى قَوْلٍ، فَهُنَا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ غَمَّ أَهْلِهِ بِتَوَهُّمِ الطَّلَاقِ دُونَ حَقِيقَتِهِ، فَلَا يَكُونُ نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي» الْخَبَرَ؛ وَلِأَنَّ غَمَّ أَهْلِهِ يَحْصُلُ بِالطَّلَاقِ، فَيَجْتَمِعُ غَمُّ أَهْلِهِ وَوُقُوعُ طَلَاقِهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِمَا نَوَاهُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ أَوِ الْكَلَامِ، فَإِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ فَفِي قَبُولِهِ حُكْمًا الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الشَّرِيفَ خَرَّجَهَا فِي " الْإِرْشَادِ " عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَقَعُ، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمَلَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute