فَيَلْزَمهُمْ الصَّوْمُ تَبَعًا لَهُمْ أَوْ لَيْسُوا بِصَائِمِينَ أَصْلًا أَوْ صَامُوا بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ مُتَّحِدَةٍ مَعَهُمْ فِي الْمَطْلَعِ وَلَيْسَتْ مُتَّحِدَةً مَعَ الْبَلَدِ الْمُرْسَلِ مِنْهَا كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا أَرْسَلُوا إلَى تِلْكَ الْبَلَد يَلْزَمهُمْ الصَّوْمَ فَلَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ هُنَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسُوا سَبَبًا مُحَقِّقًا لِلْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ سَبَبٌ مُحَقِّقٌ لِلْوُجُوبِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِهِ.
وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِخِلَافِ الْإِرْسَالِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ جَزْمًا لِمَا عَلِمْتَ سَوَاء أَقَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَمْ بَعُدَتْ نَعَمْ لَوْ قِيلَ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَجِب يَكُونُ مَنْدُوبًا وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَثِقُ بِهِ لِيَبْحَثَ عَنْ الْأَهِلَّةِ سِيَّمَا رَمَضَان وَشَوَّال وَذَا الْحِجَّة لِتَعَلُّقِهَا بِأُمُورٍ دِينِيَّةٍ يَعُمُّ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا دُون غَيْرِهَا عَلَى أَنَّ تَرَائِي الْأَهِلَّةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ كَمَا قِيلَ فَعَلَيْهِ إذَا فُرِضَ أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ لَزِمَ الْإِمَامَ أَنْ يَحُثَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، وَقَوْلُ السَّائِل نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ وَهَلْ يَثْبُتُ رَمَضَانُ إلَخْ جَوَابَهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَبِهِ يُعْلَم كَمَا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ تَوَاتَرَتْ عِنْده رُؤْيَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ بِالْأَوْلَى اهـ وَالِاسْتِفَاضَةُ كَالتَّوَاتُرِ بِخِلَافِ الْإِشَاعَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ وَلَمْ يَشْهَد بِالرُّؤْيَةِ أَحَدٌ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ حَتَّى يَحْرُمَ صَوْمُهُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ كَالتَّوَاتُرِ قَوْلُ السُّبْكِيّ لَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوا الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ اهـ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُل لِمَنْ بَلَغَتْهُ اعْتِقَادُ صِدْقِ الْمُخْبِرِينَ أَمَّا إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ فَيَلْزَمهُ الصَّوْمُ كَمَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ ثِقَةٍ أَخْبَرَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَالْإِشَاعَة يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمُسْتَفِيضِ فَالْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا هُوَ خَبَرُ جَمْعٍ يَمْتَنِعُ عَادَةً تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ لَا مَعْقُولٍ كَخَبَرِ الْفَلَاسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ لَفْظًا وَمَعْنًى فَلَفْظِيٌّ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ مَعْنًى كُلِّيٍّ فَمَعْنَوِيٌّ كَخَبَرِ وَاحِدٍ عَنْ حَاتِم بِأَنَّهُ أَعْطَى دِينَارًا وَآخَرَ بِأَنَّهُ أَعْطَى فَرَسًا وَآخَرَ بِأَنَّهُ أَعْطَى بَعِيرًا وَهَكَذَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ وَلَا يَكْفِي فِي عَدَدِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ الْأَرْبَعَةُ لِاحْتِيَاجِهِمْ لِلتَّزْكِيَةِ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادُوا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ وَمَنْ عَيَّنَ لَهُ عَدَدًا كَعَشْرَةٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ ثَلَثمِائَةِ وَبِضْعَةَ عَشَرَ فَقَدْ تَحَكَّمَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ إسْلَامٌ وَلَا عَدَالَةٌ وَلَا عَدَمُ احْتِوَاءِ بَلَدٍ عَلَيْهِمْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ مِنْ خَبَرٍ بِمَضْمُونِهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى اجْتِمَاع شَرَائِطِ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَهِيَ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهِ كَوْنُهُ خَبَرُ جَمْعٍ وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ ثُمَّ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْمُتَوَاتِرِ ضَرُورِيّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَهِيَ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَة لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَيُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرَ مَظْنُونُ الصِّدْقِ وَمِنْهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْمُتَوَاتِرِ سَوَاءً كَانَ رِوَايَةُ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَر أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ أَمْ لَا وَمِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمُسْتَفِيضِ وَهُوَ الشَّائِعُ بَيْن النَّاسِ عَنْ أَصْلٍ بِخِلَافِ الشَّائِعِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَقَدْ يُسَمَّى الْمُسْتَفِيضُ مَشْهُورًا فَهُمَا بِمَعْنَى وَقِيلَ الْمَشْهُورُ بِمَعْنَى الْمُتَوَاتِرِ وَقِيلَ قِسْمٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَعِنْد الْمُحْدِثِينَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَأَقَلُّ عَدَدِ الْمُسْتَفِيضِ اثْنَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحْدِثِينَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَبَيْنَ خُصُوصِ الِاسْتِفَاضَةِ وَمُطْلَقِ الْإِشَاعَةِ فَالِاسْتِفَاضَةُ أَخَصُّ مِنْ الْإِشَاعَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفُقَهَاءُ يُشْتَرَط فِي الِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرِينَ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُمْ وَيُؤْمَنُ تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْ عَدْلَيْنِ لَمْ يُشْهِدَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُمْ وَحُرِّيَّتُهُمْ وَذُكُورَتُهُمْ كَمَا لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute