- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عِنْدَ مِنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ فِرَاقِهِ لِمَكَّةَ «وَاَللَّهِ إنَّكِ لَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك قَهْرًا مَا خَرَجَتْ» .
وَمِنْهَا «صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَصَلَاةٌ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَقَدْ أَخَذْت مِنْ ذَلِكَ مَا حَرَّرْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا عَدَا مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَنَصُّ كَثِيرِينَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ اسْتِرْوَاحٍ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ نَفِيسٌ وَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَانِدِ بِزَعْمِهِ أَنَّ الْبِقَاعَ كُلَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ تَفْضِيلِ مَكَّةَ كَثْرَةُ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا بَلْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ أَنَّ «حَسَنَةَ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ» أَيْ غَيْرِ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ فِيهَا.
ثُمَّ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ التُّرْبَةِ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ إجْمَاعًا بَلْ وَمِنْ السَّمَوَاتِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْعَارِفِينَ أَعْنِي الشِّهَابَ السُّهْرَوَرْدِيَّ صَاحِبَ الْعَوَارِفِ إنَّ الطُّوفَانَ مَوَّجَ تِلْكَ التُّرْبَةَ الْمَكْرُمَةَ مِنْ مَحَلِّ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَرْسَاهَا بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَكَّةَ وَتَشْرِيفِ طِيبَةَ بَلْ وَتَحْرِيمُ حَرَمِهَا وَإِثْبَاتُ جَمِيعِ مَا لَهُ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ إنَّمَا هُوَ بِسُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا مَكَّةُ فَقِيلَ أَنَّ تَحْرِيمَ حَرَمِهَا إنَّمَا هُوَ بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ
كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ حَرَامًا مُعَظِّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْمَدَنُ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الْقُرَى وَالْقُرَى عَلَى الْبَوَادِي مِنْ حَيْثُ ظُهُورِ الدِّينِ وَتَيَسُّرِ تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَفِعْلُ الْعِبَادَاتِ فِي تِلْكَ أَكْثَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَلَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَاةُ نَعَمْ صَحَّ أَنَّ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ بِعُمْرَةٍ وَلَا يُلْحَقُ بِالْمَسْجِدِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ نَعَمْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ احْتِرَامِ نَحْوِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَمَحَالُّ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَكُلُّ مَحَلٍّ عُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَهُ أَوْ صَلَّى فِيهِ فَلَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَمَرِّ الدَّهْرِ فَيَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِتَحَرِّي نُزُولِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَةُ وُجُوبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ وَأَنَّهُ الْحَجُّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَيْ مُعْظَمُهُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَّاءَ وَتَعَارُفِهِمَا بِهَا أَوْ مِنْ تَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنَاسِكَ بِهَا فَلِوُقُوعِ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ وُجُودِ هَذَا الْعُنْصُرِ الْإِنْسَانِيِّ أَوْ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ لِتِلْكَ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ شَرَفِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْخُرُوجَ مِنْ حَرَمِهِ وَأَمْنِهِ إلَى الْوُقُوفِ بِذَلِكَ الْبَابِ الْجَلِيلِ لِيَبْتَهِلُوا إلَيْهِ فِي إمْدَادِ أَشْبَاحِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ بِحَيَاتِهِ وَمَعَارِفِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْأَبَدِيَّةِ الَّتِي مَا شُرِّفَ عُنْصُرُ الْإِنْسَانِ حَتَّى عَلَى عُنْصُرِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا بِهَا فَلِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَوْهِبَةِ الْجَسِيمَةِ كَانَ الْوُقُوفُ بِمَحَلِّهَا أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ لِلْحَجِّ وَكَانَ كَأَنَّهُ كُلُّ الْحَجِّ فَمِنْ ثَمَّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَيَنْبَغِي لِلْوَاقِفِ بِهَا أَنْ يَسْتَحْضِرَ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ وَذَلِكَ التَّعْرِيفَ لَعَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الِاجْتِمَاعُ الْأَكْبَرُ عَلَى رَبِّهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَأَنْ يَمُدَّهُ بِعِظَمِ مَوَاهِبِهِ اللَّدُنِّيَّةِ وَمَعَارِفِهِ الْإِلَهِيَّةِ وَقُرْبِهِ الْأَقْدَسِ وَكَرْمِهِ الْأَنْفَسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته صِرْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرَجُلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» .
وَأَمَّا مَبِيتُ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيُ الْجِمَارِ فَحِكْمَتُهَا إحْيَاءُ مَحَالِّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَآثِرِهِمْ أَلَا تَرَى «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَ وَلَدِهِ عِنْدَ مَحَلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute