للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَأَتَّ مَا قَالَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ كَانَ مُفْسِدًا لِإِحْرَامِ مُطْلَقٍ وَالْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ يَتَعَذَّرُ بِهِ الْإِتْيَانُ فَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ قَضَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِتَعْذِرْهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الَّذِي فَسَدَ إحْرَامٌ مُطْلَقٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدِ الْإِفْسَادِ مِنْ التَّعْيِينِ حَتَّى يَقَعَ الْقَضَاءُ لِمَاهِيَّتِه وَأَنَّ التَّعْيِينَ مِنْ الْوَارِثِ مُتَعَذِّرٌ وَأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّعْيِينُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِتَعْذِرْ قَضَاءِ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ.

هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ فَلَا يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ السَّائِلَ أَيْضًا لِأَنَّا إذَا فَوَّضْنَا التَّعْيِينَ إلَى الْوَارِثِ فَإِنَّ عَيَّنَ حَجًّا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا أَوْ حَجًّا وَعُمْرَةً لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُوَرَّثَ الْمُفْسِدَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَةُ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِيمَنْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِخَمْسِ دَرَاهِمَ وَشَاةٍ ثُمَّ شَكَّ فِي إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا لِتَيَقُّنِ شَغْلِ ذِمَّتِهِ فِي هَذِهِ بِشَيْئَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ شَكَّ فِي سُقُوطِ أَحَدِهِمَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَذِمَّتُهُ لَمْ تَشْتَغِلْ إلَّا بِإِحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَإِنْ قُلْنَا يَتَعَذَّرُ تَعْيِينُهُ عَلَى الْوَارِثِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُعَيِّنُ مَا شَاءَ وَيَقْضِيه.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْإِدْخَالُ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِحَاجَةٍ هِيَ إعْلَامُهُ لِمُنْكَرِي الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِجَوَازِهَا فِيهَا فَآثَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا لِفَضْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَتْ لَهُ الْمَصْلَحَةُ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ فِي هَذَا الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نَظِيرُهُ جَوَازَهَا رَدًّا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ عَدِّهَا فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَإِنْ كَانَ بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ الْخُصُوصِيَّةِ وَدَلِيلُهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمُجِيزِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهِيَ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَال سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَا فَمَا بَالُك بِهَذِهِ الَّتِي قَامَتْ الْأَدِلَّةُ الصَّرِيحَةُ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَدَامَ النَّفْعَ بِهِ عَمَّنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ مَرْهُونٌ أَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ وَبِمِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ مَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَزُولُ مِلِكُهُ عَنْ الصَّيْدِ الَّذِي أَحْرَمَ وَهُوَ مَرْهُونٌ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْح الْعُبَابِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ النَّفَقَةَ الزَّائِدَةَ بِالسَّفَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ اهـ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِهِ عَمَّنْ وَكَّلَ آخَرَ لِيَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْ مَيِّتِ الْمُوَكِّلِ فَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَحَجَّ الْأَجِيرُ ثُمَّ طَلَبَ أُجْرَتَهُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ أَنَا عَزَلْت الْوَكِيلَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ أَلْجَأَ الْوَكِيلَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا تَعْزِيرَ وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ عَلَى الْعَزْلِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَادِلَةً أَنَّهُ عَزَلَ وَكِيلَهُ قَبْلَ الِاسْتِئْجَارِ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لَكِنَّهُ قَدْ غَرَّ الْأَجِيرَ وَوَقَعَ الْحَجُّ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَيُوَجِّهُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ امْتِنَاعَهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَعْزِيرَهُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ فَلَزِمَهُ لَهُ مُقَابِلُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُوَكِّلُ قَدْ غَرَّ الْأَجِيرَ وَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ شَيْءٌ فَيَلْزَمهُ لَهُ مُقَابِلُ مَنَافِعِهِ الَّتِي أَتْلَفَهَا وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِمُوَرِّثِ الْمُوَكِّلِ وَفِي صُورَةِ الْأَصْحَابِ وَقَعَ لِلْأَجِيرِ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>