للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا أَوْجَبُوا لَهُ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا قُلْنَا أَوْ نَحْوَهُ فَأَوْلَى أَنْ يُوجِبُوهَا لَهُ هُنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ اهـ مَا مُرَادُهُ فَإِنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْعُمَرُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا صُورَتُهُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ أَقْوَالٌ بَلْ مَا مِنْ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ إلَّا قِيلَ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِيهَا وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ أُذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمِيرِ مَكَّةَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَجِّ بِالنَّاسِ فَحَجَّ بِهِمْ وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أُذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ فَحَجَّ بِهِمْ ثُمَّ بَعَثَ فِي أَثَرِهِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِيُؤَذِّنَ بِسُورَةٍ بَرَاءَةٍ فِي الْمَوْسِمِ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ نَبْذَ الْعُهُودِ وَنَحْوَهُ لَا يَبْلُغُهُ عَنْ الْكَبِيرِ إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِهِ وَجِلْدَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَهَذَا هُوَ حِكْمَةُ بَعْثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ دَخْلٌ فِي الْإِمَارَةِ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ فِي الْأَشْهُرِ وَفِيهَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣] فَاسْتَشْعَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ قُرْبَ أَجْلِهِ إذْ الْكَمَالُ عَلَامَةٌ عَلَى الزَّوَالِ فَوَدَّعَ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى وَقَالَ لَهُمْ «بَلِّغُوا عَنِّي فَلَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ» وَكَانَ كَذَلِكَ وَلَا زَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَيْهِمْ إلَى أَنْ وَصَلَ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَدِينَةِ إلَى غَدِيرِ خُمٍّ قُرْبَ رَابِغٍ فَأَمَرَ بِجَمْعِهِمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ وَوَصَّاهُمْ بِالِاسْتِمْسَاكِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ.

وَقَالَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ «مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلَاهُ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ الْمَدِينَةَ أَقَامَ بِهَا شَهْرَ الْمُحْرِمِ وَشَهْرَ صَفَرٍ فَوَعَكَ فِي أَوَاخِرِهِ فَرَقَى الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ لَكِنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ الصَّحَابَةُ الْإِشَارَةَ إلَى ذَلِكَ إلَّا خَلِيفَتُهُ الْأَكْبَرُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرَّمَ وَجْهَهُ فَحِينَئِذٍ أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَأَعْلَمَهُمْ بِغُرَرِ فَضَائِلِهِ وَأَشَارَ لَهُمْ إلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ الْحَقُّ بَعْدَهُ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِسَدِّ الْخَوْخِ النَّافِذَةِ لِلْمَسْجِدِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ فَسُدَّتْ كُلُّهَا حَتَّى خَوْخَةَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.

ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي تَأْكِيدِهِ إلَى أَنْ قَرَّبَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِتَقْدِيمِهِ لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ حَاوَلَتْهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِرَارًا عَلَى تَقْدِيمِ غَيْرِهِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَلْتَفِتْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ بَلْ زَجَرَهُمَا وَعَنَّفَهُمَا أَعْنِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ حَتَّى عَلِيٌّ وَأَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَأَمَّا عُمَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ سِتٌّ عُمْرَةٌ فِي رَجَبَ وَأُخْرَى فِي شَوَّالٍ وَأَرْبَعَةٌ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أُولَاهَا سَنَةَ سِتٍّ وَهِيَ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فَصُدَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا فَتَحَلَّلَ وَرَجَعَ ثُمَّ عَادَ فِي الْقَعْدَةِ وَأَحْرَمَ فِي بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ قَالَ كَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَذِهِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ غَلِطَ ثُمَّ جَاءَ وَدَخَلَ مَكَّةَ وَتُسَمَّى عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةُ وَلَمَّا قَضَوْا أَفْعَالَ عُمْرَتِهِمْ خَرَجُوا مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَالِثُهَا عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَفَتَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَجَعَ بِغَنَائِمِهِمْ إلَى الْجِعْرَانَةِ وَأَقَامَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَيْلًا مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَرَابِعُهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي أَدْخَلَهَا عَلَى حَجِّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا فِي بَابِ الْحَجِّ وَأَهْمَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>