بَعْضُهُمْ شَرْطًا خَامِسًا لِلْحَجِّ وَهُوَ سَعَةُ الْوَقْتِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ السَّيْرِ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مُدَّةُ السَّنَةِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهَا قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَيُشَكَّل بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَوْقَ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَ السَّنَةِ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الزَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مُرَحِّلَةٍ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَخْفَى الْإِشْكَالُ السَّابِقُ.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِوُضُوحِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّا نَعْتَبِرُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ حَتَّى تَجِبَ الْمُبَاشَرَةُ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَيُقْضَى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ بِشُرُوطِهِمَا وَقْتَ خُرُوجِ قَافِلَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إدْرَاكِ وُقُوفِ عَرَفَةَ زَمَنَ يَصِلُونَ فِيهِ لَوْ سَارُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ كُلَّ يَوْمٍ فَمِنْ بَيْنِ بَلَدِهِ وَمَكَّةَ مَسَافَةُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرِ أَوْ أَقَلَّ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ أَنْ يُتَمَكَّنَ مِنْهُ بِأَنْ تُوجَدَ فِيهِ شُرُوطُهُ أَوَّلُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ سِنِينَ مَثَلًا وَتَمَكَّنَ فِي زَمَنٍ ثُمَّ مَضَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ حَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ أَوَّلَ مَا تَمَكَّنَ أَدْرَكَ الْحَجَّ.
فَلَمَّا تَرَكَ إلَى أَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَحَكَمْنَا بِفِسْقِهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ التَّمَكُّنِ إلَى مَوْتِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ تَمَكُّنٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَشَمَلَهُ قَوْلُهُمْ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ مِنْ آخِرِ سِنِي التَّمَكُّنِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَوْقَاتِهِ مِنْهَا وَالثَّلَاثُ فِي مِثَالِنَا بِمَنْزِلَةِ أَوَاخِرِ شَوَّالٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ مِصْرَ وَنَحْوِهِمْ فَاتَّضَحَ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ بِوَجْهٍ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مَكِّيٍّ خَرَجَ لِزِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَارَ ثُمَّ وَصَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا لِأَنَّ مِنْ الْغَالِبِ أَنَّ الْمَكِّيَّ الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَ كَقَاصِدِ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي مَوَاضِعَ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ كَزِيَارَةِ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ كَانَ مَكِّيًّا سَافَرَ فَأَرَادَ دُخُولَهَا عَائِدًا مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ دُونَ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَالَ أَيْضًا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَرِيدًا حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ أَوْ حَجَّ الْأُولَى فَحَجَّ الثَّانِيَةَ فَلَا دَمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ مَرَّ مُسْلِمٌ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا لِلْحَجِّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ اهـ وَالْمُرَجَّحُ فِي الْكَافِرِ لُزُومُ الدَّمِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ لُزُومُ الدَّمِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ لَكِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا نُسُكًا وَلَوْ فِي سَنَةٍ آتِيَةٌ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِنُسُكٍ مِنْ الْمِيقَاتِ إمَّا حَجٌّ إنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ أَوْ عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِمَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ بِإِرَادَتِهِ لِلنُّسُكِ الْآتِي عِنْدَ مُجَاوَزَةٍ الْمِيقَاتِ صَارَ قَاصِدًا الْحَرَمَ بِمَا وَضَعَ لَهُ فَلَزِمَهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ حَرِيمَهُ وَهُوَ الْمِيقَاتُ إلَّا بِالتَّلَبُّسِ بِمَا نَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِنَظِيرِهِ رِعَايَةً لِتَعْظِيمِ الْحَرَمِ الَّذِي وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَجْلِهِ مَا أَمْكَنَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ قَدْ لَا يَفْعَلُ النُّسُكَ إلَّا فِي الَّذِي نَوَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذَا شَرَطَ لُزُومَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَصَدَهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ.
وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ لِلْمِيقَاتِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلُزُومِ الدَّمِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِصْيَانِ بِالْمُجَاوَزَةِ فَلَا نَظَرَ إلَّا إلَى نِيَّتِهِ فَحَسْب كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَبِمَا تَقَرَّرَ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَجْمُوعَيْ عِبَارَتَيْ الْمَجْمُوعِ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى فِي الْمَكِّيِّ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ النُّسُكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَحُجُّ غَالِبًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَكِّيِّ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا نُسُكًا حَالًّا أَوْ مُسْتَقْبَلًا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِذَلِكَ النُّسُكِ أَوْ بِنَظِيرِهِ وَإِلَّا أَثِمَ وَلَزِمَهُ الدَّمُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا وَطَنَهُ أَوْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ قَصْدُ مَكَّةَ لِنُسُكٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute