للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ يُعْلِنُ فِيهِمْ النِّدَاءَ بِرِسَالَتِهِ وَالدُّعَاءَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ فَتَسْمِيَتُهُ ذَلِكَ حَجًّا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.

وَأَمَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ فَقِيلَ فُرِضَ أُولَى سِنِيهَا وَقِيلَ ثَانِيَةَ سِنِيهَا وَقِيلَ ثَالِثَتَهَا وَقِيلَ رَابِعَتَهَا وَقِيلَ خَامِسَتَهَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ سَادِسَتَهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ سَابِعَتَهَا وَقِيلَ ثَامِنَتَهَا وَقِيلَ تَاسِعَتَهَا وَقِيلَ عَاشِرَتَهَا وَالْمُرَاد بِعُمَرِهِ الْأَرْبَعِ الَّتِي صَحَّتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ لَمَّا وَصَلُوا الْحُدَيْبِيَةَ صَدَّهُ عَنْهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَحَلَّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ قُرْبَ الْحَرَمِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ لَمَّا وَقَعَ الصُّلْحُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ لِئَلَّا تُعَيِّرَ الْعَرَبُ أَهْلَ مَكَّةَ بِدُخُولِهِمْ لَهَا قَهْرًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَأْتُونَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ لِلْقَضَاءِ فَرَجَعُوا وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقِتَالِ حِينَئِذٍ كَانَ تَوَاضُعًا وَتَفْوِيضًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ.

فَكَانَ ذَلِكَ الصُّلْحُ سَبَبًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ نَقَضُوا بَعْضَ مَا فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَعُلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى الْإِذْنِ لَهُ فِي إغْزَائِهِمْ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُمْ فَقَصَدَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَلْقَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ إلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَأَهْلُهَا فِي غَايَةِ الْخَوْفِ وَالْمَذَلَّةِ حَتَّى آمَنَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يُخْرِجْ مَنْ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا مَنْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى قُرْبِ أَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَلَمَّا رَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ رَجَعَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ إلَى قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَيْضًا ثُمَّ دَخَلُوا مَكَّةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْ نُسُكِهِمْ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا وَقَعَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ فَهَذِهِ هِيَ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ.

وَأَمَّا الْعُمْرَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ سَنَةَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ خَرَجَ مِنْهَا إلَى حَرْبِ هَوَازِنَ وَالطَّائِفِ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْجِعْرَانَةِ لِقَسْمِ الْغَنَائِمِ فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا فَفِي لَيْلَةِ ثَامِنِ عَشْرِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ مُحْرِمِينَ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ وَتَحَلَّلُوا ثُمَّ خَرَجُوا إلَى أَنْ جَاءُوا الْجِعْرَانَةِ وَأَصْبَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا كَبَائِتٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعُمْرَتِهِ إلَّا جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِذَا أَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ ثُمَّ رَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةِ لِيُعْلِمَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحَجِّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَمَّرَ عَلَى الْحَجِّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

ثُمَّ أَرْسَلَ بَعْدَهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيُؤَذِّنَ هُوَ وَجَمْعٌ فِي النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى بِسُورَةِ بَرَاءَةٍ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عَنْهُمْ إلَّا مَنْ هُوَ مِنْ جِلْدَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ ثُمَّ فِي سَنَةِ عَشْرٍ حَجَّ بِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ فَكَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا فَهَذِهِ هِيَ عُمْرُهُ الْأَرْبَعِ وَكُلُّهَا كَانَتْ فِي الْقَعْدَةِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَغَلَّطَتْهُ فِيهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ مِنْ شَرَائِطِ الْحَجِّ أَمْنُ الطَّرِيقِ فَهَلْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ إذْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْنُ ظَنًّا لَا يَقِينًا أَمْنًا لَائِقًا بِالسَّفَرِ لَا بِالْحَضَرِ عَلَى مَا يُخَلِّفُهُ أَوْ يَسْتَصْحِبُهُ لَكِنْ مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِسَفَرِهِ فَقَطْ دُونَ نَحْوٍ خَطِيرٍ مَعَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى اسْتِصْحَابِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَرْكُهُ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ اُشْتُرِطَ الْأَمْنُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ لِاضْطِرَارِهِ لِاسْتِصْحَابِهِ حِينَئِذٍ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا مَاتَ الْعَامِلُ الْمُجَاعِلُ عَلَى حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَزِيَارَةٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ كَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا وَهَلْ يُقَسَّطُ الْجُعْلُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْأَعْمَالِ أَوْ لَا وَكَيْفَ صِفَةُ التَّقْسِيطِ هَلْ هُوَ كَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>