ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَا ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِمَا وَعَدَ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا يُرْجَعُ لِلْبَائِعِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْغَلَّةِ فِي زَمَنِ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمِهَا مِنْهَا مَعَ جَرْيِ الْمَاءِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَةَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ مَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَقَبْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلٌ عَلَى السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ فَضْلِكُمْ إزَالَةُ إشْكَالِهِ بِأَمْثِلَةٍ مُفِيدَةٍ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَذَلِكَ الْقَرَارُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْبُعُ مِنْهُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ الْأَرَاضِي فَالْأَوَّلُ إنْ مَلَكَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فِي الْقَرَارِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ هُنَا إنْ قُدِّرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ بِنَحْوِ مِائَةِ رِطْلٍ لَا بِنَحْوِ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُهُمْ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْقَنَاةِ الْمُهَيَّأَةِ بِالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْبَيْع وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ أَحَدٌ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْلُوكُ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَالْمَاءُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ ثُمَّ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ صَحَّ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ عِنْد الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمَحَلُّ النَّبْعِ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ وَكَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ مَجْهُولًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَصِحُّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِمِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ الْقَرَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لَهُ وَلِلْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَمَا يَفْهَمُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَوْ انْخَرَقَ حُكْمُنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَاءُ الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِي.
وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَسْتَحِقَّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَحَلَّ النَّبْعِ أَوْ الْقَنَاةَ أَوْ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا مَلَك الْأُلَى مَلَكَ الْمَاء وَإِذَا مَلَكَ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلْنَعُدْ الْآنَ إلَى بَيَانِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَنَقُولُ قَدْ ذُكِرَ فِيهَا بَيْعُ الْمَاءِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَآخِرَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ حَيْثُ قُلْت وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَا اُعْتِيدَ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ النَّهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَكَوْنُ الْجَارِي غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَفِي الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا.
وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَثَلًا مُجْتَمِعًا فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ مُنْفَرِدًا وَتَابِعًا وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ وَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ آصُعًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْ رَبْطَ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا وَقُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَبَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَلِيلَةٌ فَلَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقَتَّ فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَمَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute