للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْحَ الْمُهَذَّبِ جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ أَنَّهُ حَكَى جَزْمَ الشَّاشِيِّ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ وَمِنْ عَادَتِهِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فَحِكَايَتُهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَسُكُوتُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْرِيرِهِ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الضَّعِيفَ إنَّمَا يَقِيسُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ وَقَدْ يَقِيسُ عَلَى مَا ظَهَرَ دَلِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَخْذُ بِالْغَالِبِ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ فِي تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ السَّابِقِ بَسَطَ مَا فِيهِ فَقَالُوا إنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَائِلٌ بِبُطْلَانِ الصَّدَقَةِ نَظِير مَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُخَرَّجِ عَلَيْهَا فَأَخْذُهُمْ بِقَضِيَّةِ الْغَالِبِ مِنْ التَّخْرِيجِ وَهُوَ الِاتِّحَادُ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي اعْتِمَادِهِمْ كَلَامَ الشَّاشِيِّ وَنِسْبَتِهِمْ إلَى النَّوَوِيِّ اعْتِمَادَهُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ السَّابِقِ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَاتَّضَحَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَطَل الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ صَنِيعَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي تَزْيِيفِ هَذَا الْقِيَاسِ مِنْ الْعَجِيبِ فَأَيُّ صَنِيعٍ اقْتَضَى فِي الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَ وَأَنَّمَا الصَّنِيعُ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَاعْتِمَادَهُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخَذَ بِهِ الْمُعْتَرِضُ نَفْسُهُ فِي ذَلِكَ التَّخْرِيجِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُهُ وَكَثِيرًا إلَخْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ خِلَافُهُ وَالْأَخْذُ بِالْغَالِبِ مُتَعَيِّنٌ هَذَا كُلُّهُ بِفَرْضِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّاشِيِّ وَأَمَّا إذَا بَانَ مُوَافَقَته لَهُ فَلَا نَظَرَ إلَى كَثِيرٍ وَلَا إلَى غَالِبٍ وَقَوْلُهُ إنَّهُ اكْتَفَى بِمَا سَيَذْكُرُهُ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْبُطْلَانُ إلَّا إذَا رَجَعَتْ إلَى مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ

وَأَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ لَا مَسْأَلَةَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِحُرْمَةِ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِأَمْتَنِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَأْخَذُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إلَخْ مُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ سَبَقَ إيضَاحُ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا الْمَأْخَذِ إذْ مَأْخَذُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ كَوْنُهَا تَبَرُّعًا يُضِرُّ بِالدَّائِنِ لَا تَعَلُّقُ دَيْنِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ إلَّا بِالْحَجْرِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ كَمَا مَرَّ بَسْطُ ذَلِكَ وَإِيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ بَلْ بَحَثَ مَعَهُ فِي التَّوَسُّطِ إلَخْ هَذَا الْبَحْث فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِمَا قَرَّرْته مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ وَسَبَقَ رَدُّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ التَّصَرُّف فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْحُرْمَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةَ الْمَاء مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْحُرْمَةِ هَذَا مِمَّا لَا يُتَعَقَّلُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَفَرْقُهُ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ يَرُدُّهُ مَا سَبَقَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ مَالِ الْمَدِينِ إلَّا بِالْحَجْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا نَظَرَ إلَى الطَّلَبِ

وَلَا إلَى تَوَجُّهِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لِلتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ فِيهَا كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ وَبَسْطُهُ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ ذَلِكَ حَقَّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْسُنُ النَّظَرُ لِذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَتْ وَقَدْ بَانَ وَاتَّضَحَ اخْتِلَافُهَا فَبَطَلَ مَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَقَوْلُهُ إنَّ النَّشَائِيَّ إلَخْ مِنْ الْعَجِيبِ أَيْضًا وَكَمْ حَذَفَ هَؤُلَاءِ مَسَائِلَ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَيُّ قَاعِدَةٍ أَوْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَذَفُوا مِنْهُ حُكْمًا دَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَيُّ إشْعَارٍ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا عَنْ النَّوَوِيِّ تَزْيِيفَهَا وَالتَّشَبُّثَ بِمَا لَا يَصْلُحُ تَشَبُّثًا يَنْبَغِي التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَنَسَبَهُ الْفَتَى إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا سَبَقَ فِي التَّفْلِيسِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ مَتَى وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ حَرُمَ تَأْخِيرُ أَدَائِهِ وَلَوْ بِالتَّصَدُّقِ وَإِنْ رَجَا الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالِامْتِنَاعِ فِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيّ الْحُرْمَةُ إنْ أَرَادَ بِالتَّصَرُّفِ التَّبَرُّع لَا الْبُطْلَانَ إلَّا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>