للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ رَأْيٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّمَسُّكُ بِهِ وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي إفْتَاءٍ وَلَا تَأْلِيفٍ فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سِوَاهُ وَإِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي بَعْضِ تَأْلِيفِهِ الْمَذْكُورِ فَلْنَرْجِعْ إلَى بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِهِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى مَا بَقِيَ فِي تَأْلِيفِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِلرَّدِّ سَادِسُهَا قَوْلُهُ أَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ فَإِنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لَهُمْ بِالدَّيْنِ. اهـ.

وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ أَيْضًا إذْ كَيْفَ يَنْفِي الْخِلَافَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهَا وَعِبَارَتُهَا كَمَا مَرَّ وَيَجُوزُ لَهُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ أَيْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي نُفُوذِ تَبَرُّعِهِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ مَا لَمْ يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَمَعَ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّاشِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَجَزَمَ الشَّاشِيُّ بِالصِّحَّةِ بَعْدَ الطَّلَبِ فِيهِ أَبْلَغ الرَّدِّ لِقَوْلِهِ لَا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ وَحِينَئِذٍ فَالتَّجَاسُرُ عَلَى الْمَذْهَبِ بِأَنَّ بُطْلَانَ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ جَاهِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ سَابِعُهَا قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ سَوْقُهُ لِعِبَارَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذِهِ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا عَلَى مُدَّعَاهُ بَلْ فِيهَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ إلَخْ فِيهِ تَقْيِيدُ عَدَمِ نُفُوذِ الْعِتْقِ وَالتَّبَرُّعِ بِمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْهَا شَيْءٌ بَطَلَتْ جَمِيعُ تَبَرُّعَاتِهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْهُ يُفْهِمُ نُفُوذَ تَبَرُّعَاتِهِ الَّتِي قَبْلَ مَرَضِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِهِ بِالْمَرَضِ كَبِيرُ جَدْوَى.

وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إلَخْ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِوُقُوعِ تَبَرُّعِ الْمُكَاتَبِينَ وَنَحْوِهِمْ فِي الْمَرَضِ وَأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِمْ وَهَذَا حُجَّةٌ لَنَا فِيمَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.

(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ لَهُ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ حِيلَةً لِئَلَّا يَحْصُلَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ شَيْءٌ هَلْ ذَلِكَ قَيْدٌ فِيمَا يَقُولُهُ أَوْ غَيْرُ قَيْدٍ فَإِنْ قَالَ إنَّهُ قَيْدٌ قِيلَ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ هَذَا الْقَيْدُ كَيْفَ وَهُوَ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ إضْرَارُ الدَّائِنِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّبَرُّعِ قُصِدَ بِهِ الْحِيلَةُ أَوَّلًا وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِقَيْدٍ قِيلَ لَهُ إنَّك مُصَرِّحٌ بِاتِّبَاعِك فِي هَذَا الْإِفْتَاءِ لِلْفَتَى وَهُوَ يَشْتَرِطُ قَصْدَ الْإِضْرَارِ كَمَا يَأْتِي فِي جَوَابِهِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الزَّكَاةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحِيلَةَ الْمُسْقِطَةَ لَهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَةِ الْحِيلَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ وَحْدَهُ مَكْرُوهَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا حَرَامٌ وَأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ الضَّارِّ وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَ طَلَاقِ الْمَرِيضِ فِرَارًا وَالْإِقْرَارُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْبَاقِينَ قَالَ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَنْفُذُ ظَاهِرًا اهـ.

وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الْآخِرِ فَقَطْ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي مَحَلٍّ وَقِيلَ مُحَرَّمٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِيهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ كَجَمْعِ مُتَقَدِّمِينَ بِالْحُرْمَةِ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحَوْلَ يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ وَإِنْ نَوَى بِهِ الْفِرَارَ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ هُنَا وَفِي مَسْأَلَتنَا فَلِمَ قُلْتُمْ بِالْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَمْ تَقُولُوا بِهَا هُنَا مَعَ أَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْحَجْرُ فِي مَسْأَلَتنَا لَمْ يُوجَدْ كَمَا أَنَّ السَّبَبَ هُنَا وَهُوَ الْمَالُ مَعَ الْحَوْلِ أَوْ بِشَرْطِهِ لَمْ يُوجَدْ قُلْت لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِمُعَيَّنٍ فَاحْتِيطَ لَهُ وَلِبِنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَهَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُهَا وَوَجْهُهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِالْمَرَضِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِلْوَرَثَةِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَ حَقِّهَا وَلَمْ يَنْظُرْ الْأَصَحّ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا إلَى الْآنَ لَمْ يَثْبُت لَهَا حَقٌّ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ لَا الْمَرَضِ فَنَفَذَ طَلَاقُهَا وَلَمْ تَرِثْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ السُّؤَالِ وَبَعْضِ مَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>