وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ لِأَوْلَادِهِمْ شَيْئًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ انْقِرَاضُهُمْ بَعْد انْقِرَاضِ وَلَدِهِ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: هِيَ مَسْأَلَةٌ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مُنْقَطِع الِابْتِدَاءِ مَعْلُومِ الِانْتِهَاءِ، أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَإِلَى مَنْ يُصْرَفُ بَعْد انْقِرَاضِ الْوَلَدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي يَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى وَلَدِ (الْوَلَدِ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَقَدْ ذَكَر الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَات مِنْ الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ؛ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِمْ قَالَ: أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَقُلْت: وَالْمُخْتَارُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيء هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْأَوَّلِ وَلَدَ الظَّهْرِ خَاصَّةً بَلْ هُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْتُ فِي الْغَنِيَّةِ أَنَّ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ إلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَقِيلَ: يُجْعَلُ ذِكْرُهُمْ قَرِينَةً فِي دُخُولِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، إذْ الِانْقِطَاعُ لَا يُقْصَدُ وَلَا حِرْمَانُهُمْ وَإِعْطَاءُ الْفُقَرَاءِ مَعَ بَقَائِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنِّي تَبِعْت فِي ذَلِكَ أَبَا الْحَسَنِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِابْنِ أَبِي عَصْرُونَ يَعْقُوبَ فَلَهُ مُؤَلَّفٌ حَسَنٌ عَلَى الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَجَزَمَ فِي مُرْشِدِهِ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَكَذَا فِي انْتِصَارِهِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَتنَا مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْفَرْعِ وَإِعْطَاءَ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْأَصْلِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْعِ لَا يُقْصَدُ سِيَّمَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْفَرْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَيْسَ حِرْمَانُهُ حِينَئِذٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْر وَلَدٍ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْعِلَّة وَالْقَرِينَة حَرْفًا بِحَرْفِ، فَإِنْ قُلْت: مَا اخْتَارَهُ وَوَجَّهَهُ بِمَا ذَكَرَ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قُلْت: الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرهَا يُمْكِن الِاسْتِنَادُ إلَيْهَا وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْعِلَلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا أَوْ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الْحُكْمِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِد ضَعَّفَ عِلَّتَهُ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْن مَسْأَلَته وَمَسْأَلَتنَا وَلِمَ كَانَ الصَّحِيحُ خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي تِلْكَ مَعَ تَعْلِيله بِمَا ذَكَرَ الَّذِي اسْتَنَدْتُمْ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتكُمْ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ مَسْأَلَتنَا انْضَمَّ إلَى الْقَرِينَة الْحَالِيَّةِ فِيهَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ هِيَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ بِمُجَرَّدِهَا غَيْرُ كَافِيَةٌ، فَإِنْ قُلْت: بَلْ فِي مَسْأَلَتِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ أَيْضًا هِيَ ذِكْرُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ قُلْتُ: هَذِهِ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ لَا يُلْحِقهُمْ بِذِكْرِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا
لِأَنَّ مَفْهُومَهُ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْأَوْلَادَ يُعْطَوْنَ فَلَا تُقَاسُ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَلَيْسَتْ كُلُّ قَرِينَةٍ مُعْتَدًّا بِهَا كَمَا أَشَارَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ لِذَاتِهَا أَوْ لِمَا انْضَمَّ إلَيْهَا.
وَمِمَّا يَرُدُّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى هُوَ بِهِ فِي رَجُلٍ اسْمُهُ نُورُ الدِّينِ مَلَّكَ أَجْنَبِيًّا أَرْضًا لِيَقِفهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده فَلَمَّا مَلَكهَا وَقَفَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ مُحَمَّدٍ وَعِمَادِ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ وَكَمَالِ الدِّينِ وَبَرَكَةَ وَعَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ لَهُمْ مِنْ الْأَوْلَادِ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ مَثَلًا وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبهمْ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ وَصَارَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ بَدْرُ الدِّينِ عَنْ وَلَدَيْهِ مُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ كَمَالُ الدِّينِ عَنْ بِنْتِهِ أَمَةِ الْخَالِقِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ هَذِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلِعَمِّهَا مُحَمَّدٍ وَلَدَانِ ذَكَرَانِ وَلِعَمِّهَا عِمَادِ الدِّين وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلِعَمَّتِهَا بَرَكَةَ وَلَدٌ ذَكَرٌ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّتِهَا لِبَقِيَّةِ أَعْمَامِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute