للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ تَأْكِيدًا، وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا نَظَرَ مَعَ ظُهُورِ اللَّفْظِ فِيمَا قُلْنَا إلَى اسْتِبْعَادِهِ بِأَنَّ فِيهِ حِرْمَانَ بَعْضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ بِلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ.

وَبِتَأَمُّلِهِ يَتَّضِحُ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتِنَا أَتَمَّ إيضَاحٍ وَأَظْهَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَهُ مَفْهُومٌ قَطْعًا لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَفْهُومَ مُحْتَمِلٌ أُمُورًا تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَقَطْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ وَلَا لِمَنْ فِي الدَّرَجَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْغَالِبُ الْمُصَرِّحُ بِهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَلَيْسَ فِيهِ ارْتِكَابُ الِانْقِطَاعِ الَّذِي هُوَ نَادِرٌ أَنْ يَقْصِدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَاقِفِينَ كَمَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا عَنْ شَيْخِنَا فَرَجَّحْنَا هَذَا الِاحْتِمَالَ لِهَذِهِ التَّأْيِيدَات، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَبَعِيدٌ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الذَّوْقُ، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَيُرَدُّ بِعَيْنِ مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا اسْتَوْفَيْنَاهُ فِيمَا مَرَّ وَبِعَيْنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ؛ لِأَنَّ إذَا لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّا كُنَّا نَعْمَلُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ.

وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الشَّرْطُ فَلَمْ يُفِدْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّأْكِيدِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ شَيْئًا لَمْ يُفِدْهُ الْكَلَامُ لَوْ حُذِفَ مِنْهُ هَذَا الشَّرْطُ بَلْ كَانَ يُفْهِمُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا هُوَ عَيْنُ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْخُ أَخَذَ فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ قَرِيبًا بِقَضِيَّةِ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مَعَ مُنَافَاةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَ مُسْتَنَدُهُ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا الْأَخْذَ بِقَاعِدَةِ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَغَيْرهَا فَلِيَكُنْ الْعَمَل بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ؛ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ دَالًّا عَلَى خِلَافِهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقهَا مِمَّا تَقَرَّرَ فِي سَبَبِ تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَ الشَّيْخِ هَذَا أَيْضًا تَجِدْهُ قَاضِيًا عَلَى إفْتَائِهِ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا بِأَنَّهُ تَبِعَ فِيهِ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيَّ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقَّهَا مِنْ نَظَرٍ وَمِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مَا قَدَّمْته مِنْ بَعْضِ أَجْوِبَةِ السُّبْكِيّ الْقَاضِيَةِ بِرَدِّ مَا قَالَهُ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا، وَلَوْ أَعْطَاهَا حَقّهَا مِنْ ذَلِكَ لَأَفْتَى فِيهَا بِمَا يُوَافِقُ مَا أَفْتَى بِهِ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هَذَا.

وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الشَّيْخِ التَّابِعِ فِيهَا لِمَنْ مَرَّ زِيَادَةً عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَنَذْكُرُهَا مَعَ رَدِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ عَلَى بِنْتهَا فَاطِمَةَ وَسِتّ رَيْحَانَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذُرِّيَّةٌ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ الْأَشِقَّاءِ الْأَشِقَّاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِإِخْوَتِهِ لِلْأَبِ ثُمَّ عَلَى أَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ سِتُّ رَيْحَانَ وَتَرَكَتْ أَوْلَادًا فَاسْتَقَلُّوا بِحِصَّتِهَا وَتُوُفِّيَتْ أُخْتُهَا فَاطِمَةُ عَنْ ابْنٍ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ وَبِنْتٍ تُسَمَّى قَمَرَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَعَنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّةُ قَمَرٍ لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا؟

فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأُمٍّ، فَالْحَقُّ لَهُ وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ عَمَلًا بِالتَّرْتِيبِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَخًا لِغَيْرِ أُمٍّ فَقَدْ تَعَارَضَ هُنَا أَمْرَانِ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحَقَّ لِأَخِي قَمَرَ وَأَوْلَادِ سِتّ رَيْحَان لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَمُقْتَضَى مَفْهُومِ تَقْيِيدِ انْتِقَالِ مَا كَانَ لَهَا إلَى إخْوَتِهَا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لِأَخِيهَا لِوُجُودِ وَلَدِهَا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَلَدِهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونُ الْحَقُّ بِمُقْتَضَى التَّرْتِيبِ لِأَخِيهَا وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةِ قَمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَوْلَادِ سِتَّ رَيْحَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>