للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَكِنَّ الْمَدَارَ فِي الْفَتَاوَى إنَّمَا هُوَ عَلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ دُونَ تَدْقِيقَاتِ الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ الْإِفْتَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَعِلْمُ الْأُصُولِ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُهُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ فِي الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَهُوَ مُرْتَبِطُ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الْفُرُوعِ دُونَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ فَاتَّضَحَ أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ وَحْدَهُ مَثَلًا لَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ فِي الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْفُرُوعِ وَتَصَرُّفَاتِ أَهْلِهِ حَتَّى لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي الْخُرُوجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ وَقَوَاعِدِهِمْ وَحِينَئِذٍ قُلْنَا: هُنَا كَلَامَانِ (الْكَلَامُ الْأَوَّل) فِي بَيَانِ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ السَّابِقَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَوْلَادِهِمْ، (الْكَلَامُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ) عَلَى تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا وَبَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمَقْبُولِ وَغَيْرِهِ.

وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ فِيمَا ذَكَرَ وَفِيهِ مَبْحَثَانِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) فِي تَحْقِيقِ خِلَافِ مَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْأَجْوِبَةُ الْخَمْسَةُ مِنْ أَنَّ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظُهُ إلَّا مَجَازًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّويَانِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَنَاهِيكَ بِهِ يَقُولُ: لَوْ أُحْرِقَتْ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمْلَيْتُهَا مِنْ حِفْظِي قَالَ فِي بَحْرِهِ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - أَثَرُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَقْفَ عَلَى الْمَوَالِي: فَرْعٌ لَوْ قَالَ: عَلَى مَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ وَلِوَلَدِهِ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ، لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَوَالِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَوَالِي وَلَدِهِ. ثَمَّ قَالَ فَرْعٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْمَوَالِي وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي الْمَوَالِي؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ مَوَالِيهمْ لَهُمْ دُونَهُ وَوِلَايَةَ أَوْلَادِهِمْ لَهُ دُونَهُمْ اهـ.

فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَفَرْقَهُ بَيْنَ أَوْلَادِ الْمَوَالِي وَمَوَالِي الْمَوَالِي، بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَالْآخَرِينَ وَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِيهِ لَا لَهُ، تَجِدْهُ قَاضِيًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْعُتَقَاءَ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْمُعْتَقِينَ بِالْمُبَاشَرَةِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَكَذَا فَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّ صِدْقًا وَاحِدًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَلْ وُجُوبِ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ الْمُنْكَرِ أَمْ الْمُعَرَّفِ أَمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَلْخِيصِهِ لِتَقْرِيبِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَّانِيِّ عَنْ مَذَاهِبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحَكَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَحَمَلُوا مَنْ حَلِفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ مِنْ الْإِنَاءِ، وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْكَرْعِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ لِمَذْهَبِهِمْ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ؟

قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَاللَّائِقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ إنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَنَقَلَهُ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ، وَلِهَذَا حُمِلَتْ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ عَلَى الْجَمِيعِ وَقِيلَ: إنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الَأَوَّلُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ: إنَّ وُجُوبَ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ دَالٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَ جَمْعٌ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجِبْ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَيَلْزَمَ التَّحَكُّمُ أَوْ تَعْطِيلُ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَفْهِيمُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، فَيَصِيرُ انْتِفَاءُ الْقَرِينَةِ الْمُخَصِّصَةِ قَرِينَةً أَيْ قَرِينَةً عَلَى التَّعْمِيمِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي التَّدْبِيرِ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا رَدُّوهُ بِأَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>