شَأْنِ كَثْرَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَلَوْ بِحَقٍّ الْوُقُوعَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي كَمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا بِخِلَافِ مَا هُنَا.
وَعُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَحْدَاثِ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ هِيَ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْإِنْسَانُ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِيُلْحِقَ بِهَا بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ بِهَا حَقًّا كَأَنْ يَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ مَعْصُومٍ وَلَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمُسْلِمِ فَقَدْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ الْحَالِفَ فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْيَمِينُ الصَّابِرَةُ وَالصَّبْرُ وَالْمَصْبُورُ السَّابِقَةُ فِي الْأَحَادِيثِ هِيَ اللَّازِمَةُ لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ فَيَصِيرُ مِنْ أَجْلِهَا أَنْ يُحْبَسَ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا: أَيْ حَبْسًا عَلَى الْقَتْلِ وَقَهْرًا عَلَيْهِ.
[الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ أَوْ بِالصَّنَمِ]
(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ أَوْ بِالصَّنَمِ مَثَلًا، وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُجَازِفِينَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّبِيِّ) . أَشَارَ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُ تَوَسَّعَ فَقَالَ: وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَيْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالسَّمَاءِ وَالْآبَاءِ وَالْحَيَاةِ وَالْأَمَانَةِ، وَهِيَ مِنْ أَشَدِّهَا نَهْيًا وَالرُّوحِ وَالرَّأْسِ وَحَيَاةِ السُّلْطَانِ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَتُرْبَةِ فُلَانٍ، ثُمَّ سَاقَ أَدِلَّةً فِيهَا نَهْيٌ وَوَعِيدٌ عَنْ الْحَلِفِ بِذَلِكَ كَحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، وَكَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا بِآبَائِكُمْ» وَالطَّوَاغِي جَمْعُ طَاغِيَةٍ وَهِيَ الصَّنَمُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «هَذِهِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ» أَيْ صَنَمُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ.
وَكَحَدِيثِ: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَكَحَدِيثِ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» ، وَكَحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ» . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ كَحَدِيثِ: «الرِّيَاءُ شِرْكٌ» ؛ وَكَحَدِيثِ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَنْ هُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْحَلِفِ بِذَلِكَ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute