للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَجَلَ وَاحِدٌ وَالْمُقَدَّرَ كَائِنٌ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي الِاعْتِقَادِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ الْمَقْتُولُ لَجَازَ أَنْ يَمُوتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنْ لَا يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِامْتِدَادِ الْعُمْرِ وَلَا بِالْمَوْتِ بَدَلَ الْقَتْلِ فَتَأَمَّلْ فِيهِ

(وَكَذَا الْمَرَضُ إنْ قُدِّرَ فَآتٍ) لَا مَحَالَةَ (وَإِلَّا فَلَا وَلَا دَخْلَ فِيهِ) أَيْ فِي إتْيَانِ الْمَرَضِ وَعَدَمِهِ (لِلْغِنَى وَالْفَقْرِ بَلْ تَرَى الْأَغْنِيَاءَ أَكْثَرَ أَمْرَاضًا مِنْ الْفُقَرَاءِ) لِاعْتِيَادِهِمْ أَكْلَ الْأَطْعِمَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الطَّبَائِعِ وَكَثْرَةِ هُمُومِهِمْ وَخِدْمَةِ الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ (وَتَنَعُّمَك وَتَلَذُّذَك سَيَزُولُ) بِالْمَوْتِ (لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ يَخَافُ الْعَاقِلُ مِنْ تَقَدُّمِهِ) مِنْ تَقَدُّمِ زَوَالِ النِّعَمِ وَالتَّلَذُّذِ بِالْفَقْرِ (أَيَّامًا قَلَائِلَ لَوْ سَلِمَ) فَوْتُ التَّلَذُّذِ (وَالْكَسْبُ قَدْ صَدَرَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا رَعَى الْغَنَمَ» كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ (وَالْأَوْلِيَاءِ) كَيْفَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ١١] {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠]- وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» - وَفِي رِوَايَةٍ «التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ»

قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ مَعَ النَّبِيِّينَ بَعْدَ قَوْلِهِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ حُكْمٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مِنْ قَوْلِهِ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ} [النساء: ٦٩]- الْآيَةَ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ لَا يُحْجَبُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَيْ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَلَا يَمْنَعُهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَكَانَتْ لَهُ تِجَارَةٌ يُقَلِّبُهَا لَوْلَا تَمَنْدُلُ بَنِي الْعَبَّاسِ بِي جَعَلُونِي كَالْمِنْدِيلِ يَمْسَحُونَ بِي أَوْسَاخَهُمْ مَا فَعَلْت هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَشَرْحُهَا مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا تَعَفُّفًا عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَسَعْيًا عَلَى عِيَالِهِ وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» هَذَا إنْ كَانَ لِلتَّعَفُّفِ وَالتَّصَدُّقِ وَإِلَّا فَإِنْ لِلشُّهْرَةِ وَالِادِّخَار فَمَذْمُومٌ (فَالْخَوْفُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَسْبِ (إمَّا لِلرِّيَاءِ) فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكَسْبِ رِيَاءً (أَوْ الْكِبْرِ أَوْ الْبَطَالَةِ) وَكُلُّهَا مَذْمُومَةٌ (وَالسُّؤَالُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ فِي عِيَالِهِ (جَائِزٌ) جَوَابٌ عَنْ خَوْفِ الِاحْتِيَاجِ إلَى السُّؤَالِ (فَأَيُّ ضَرَرٍ فِيهِ) بَلْ وَاجِبٌ عَلَى حَسْبِ ضَرُورَتِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْأَلْ فَمَاتَ جُوعًا يَكُونُ آثِمًا اعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ بِلَا ضَرُورَةٍ حَرَامٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الشَّكْوَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ إذْلَالُ النَّفْسِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِلْمَسْئُولِ غَالِبًا وَهُوَ حَرَامٌ إذْ رُبَّمَا لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمَا يَبْذُلُهُ عَنْ طِيبِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بَذْلُهُ رِيَاءً أَوْ حَيَاءً فَأَخْذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ

وَأَمَّا السُّؤَالُ بِالِاضْطِرَارِ كَسُؤَالِ الْجَائِعِ الْخَائِفِ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْمَرَضِ وَالْعَارِي الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يُوَارِي بَدَنَهُ فَجَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِاضْطِرَارِ كَمَنْ لَهُ جُبَّةٌ وَلَكِنْ يَتَأَذَّى بِالْبَرْدِ وَكَمَنْ يُرِيدُ الْكِرَاءَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ لَكِنْ يَتْعَبُ فَجَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَأَمَّا الْحَاجَةُ الْخَفِيفَةُ كَمَنْ يُرِيدُ ثَوْبًا عَلَى ثَوْبِهِ لِسَتْرِ خُرُوقِهِ أَوْ كَمَنْ يَسْأَلُ لِأَجْلِ الْإِدَامِ وَلَهُ خُبْزٌ وَكَمَنْ يَكْتَرِي الْفَرَسَ وَهُوَ يَجِدُ كِرَاءَ الْحِمَارِ فَمُبَاحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّكْوَى وَالذُّلِّ وَالْإِيذَاءِ فَإِنْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فَحَرَامٌ وَسَيَجِيءُ.

(وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الْمَرَضِ (فَأَمَّا) خَوْفُهُ (لِفَوْتِ التَّنَعُّمِ) بِسَبَبِهِ (فَقَدْ عَرَفْت عِلَاجَهُ) أَنَّهُ سَيَزُولُ لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ يَصْدُرُ عَنْ الْعَاقِلِ الْخَوْفُ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّوَالِ أَيَّامًا قَلَائِلَ (وَأَمَّا) خَوْفُهُ (لِفَوْتِ الطَّاعَةِ الْمُعْتَادَةِ وَنَقْصِ الثَّوَابِ) بِفَوَاتِهَا (فَجَهْلٌ إذْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْمَرِيضَ يُكْتَبُ لَهُ مَا اعْتَادَهُ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>