للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٢١٦ - (ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي) أي أسرع تذكرا فيما يريد إنشاءه من العبارات والمقاصد وذلك لأن القلم أحد اللسانين المعبرين عما في القلب وكل منهما يسمع ما يريد القلب ومحل الاستماع الآذان فاللسان موضوع على محل الاستماع والقلم منفصل عنه فيحتاج لتقريبه من محل الاستماع. قال عياض: وفي هذا الخبر وشبهه دلالة على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها وأخذ الباجي من قضية الحديث أنه كتب بعد أن لم يكن يحسن الكتابة ورمي بالزندقة لذلك أي لمخالفته للقرآن وانتصر له بأنه لا ينافيه بل يقتضيه لتقييده النفي بما قبل ورود القرآن وبعد ما تحققت أمنيته وتقررت معجزته لا مانع من كتابة بلا تعليم وتكون معجزة أخرى وبأن ابن أبي شيبة روى عن عون: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ

(ت) في الاستئذان عن قتيبة عن عبد الله بن الحرث عن عنبسة عن محمد بن زاذان عن أم سعد (عن زيد بن ثابت) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فسمعته يقول ضع إلخ ثم قال: إسناده ضعيف وعنبسة ومحمد ضعيفان اه. وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر بأنه ورد من طريق أخرى لابن عساكر ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع


[ (" للمملي ": أي للذي يملي الكلام على من يكتبه. ولفهم هذا الحديث يلزم استحضار طريقة الإملاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأدواتها حيث كانت الكتابة أبطأ من الإملاء بمقدار أكثر مما يتبادر إلى ذهننا وذلك لاستعمالهم الجلد والعظم والحجر وأمثالها ولعدم توفر الأقلام السهلة الاستعمال كتلك المعروفة في عصرنا
وكذلك يلزم استحضار قوة ذاكرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وخصوصا الكتاب منهم وطول الأحاديث التي كانوا يستطيعون حفظها ولو من دور واحد والتي بلغنا منها الكثير. من ذلك كله ومن هذا الحديث يتضح أن الإملاء المذكور هنا ليس كالإملاء المعهود لنا بأن يحاول الكاتب أن يكتب في نفس الوقت الذي يجري فيه الإملاء بل يستمع مدة غير قصيرة كما تبين أعلاه ثم يتوقف المملي ويكتب الكاتب. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الكاتب وضع القلم على أذنه لأنه أذكر للمملي حيث يستطيع جمع أفكاره حول ما هو بصدد صياغته من الكلام دون أن يتوهم أن الكاتب قد يبدأ بالكتابة وأن عليه هو التوقف عن الإملاء مما " يقطع سلسلة أفكاره " بتعبيرنا
ومع أن هذا الحديث قد لا يوجد فيه من الأحكام المهمة ما يوجد في غيره غير أنه شرح باستيفاء تشجيعا للقارئ على مداومة استحضار ظروف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أثناء محاولته فهم الحديث: فنحن إذ لم يكتب لنا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار صار حكمنا كفاقد الماء الذي شأنه التيمم. وأقرب شيء إلى رؤيته في هذه الدار وإن كان لا يقوم مقامها هو استحضار وتصور أخلاقه وصفاته وعامة ظروفه ما استطعنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وخلو الحديث من الأحكام لا ينقص من معنى الاستحضار هذا بل قد يزيد فيه إذ يريح الفكر برهة قصيرة عن قيود انشغاله بالمسائل فيصير وكأنه ينظر بسكينة عبر الزمان إلى لمحات عادية من حياة هذا النبي الكريم. وفي شرح الحديث ٣٢٥٦ قريب من ذلك: تحفة الصائم الزائر أن تغلف لحيته وتجمر ثيابه ويذرر وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط رأسها وتجمر ثيابها وتذرر. دار الحديث]

<<  <  ج: ص:  >  >>