وكذلك يلزم استحضار قوة ذاكرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وخصوصا الكتاب منهم وطول الأحاديث التي كانوا يستطيعون حفظها ولو من دور واحد والتي بلغنا منها الكثير. من ذلك كله ومن هذا الحديث يتضح أن الإملاء المذكور هنا ليس كالإملاء المعهود لنا بأن يحاول الكاتب أن يكتب في نفس الوقت الذي يجري فيه الإملاء بل يستمع مدة غير قصيرة كما تبين أعلاه ثم يتوقف المملي ويكتب الكاتب. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الكاتب وضع القلم على أذنه لأنه أذكر للمملي حيث يستطيع جمع أفكاره حول ما هو بصدد صياغته من الكلام دون أن يتوهم أن الكاتب قد يبدأ بالكتابة وأن عليه هو التوقف عن الإملاء مما " يقطع سلسلة أفكاره " بتعبيرنا ومع أن هذا الحديث قد لا يوجد فيه من الأحكام المهمة ما يوجد في غيره غير أنه شرح باستيفاء تشجيعا للقارئ على مداومة استحضار ظروف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أثناء محاولته فهم الحديث: فنحن إذ لم يكتب لنا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار صار حكمنا كفاقد الماء الذي شأنه التيمم. وأقرب شيء إلى رؤيته في هذه الدار وإن كان لا يقوم مقامها هو استحضار وتصور أخلاقه وصفاته وعامة ظروفه ما استطعنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وخلو الحديث من الأحكام لا ينقص من معنى الاستحضار هذا بل قد يزيد فيه إذ يريح الفكر برهة قصيرة عن قيود انشغاله بالمسائل فيصير وكأنه ينظر بسكينة عبر الزمان إلى لمحات عادية من حياة هذا النبي الكريم. وفي شرح الحديث ٣٢٥٦ قريب من ذلك: تحفة الصائم الزائر أن تغلف لحيته وتجمر ثيابه ويذرر وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط رأسها وتجمر ثيابها وتذرر. دار الحديث]