ممن فضل مسلم على البخاري أبو علي النيسابوري، وأشار إليه الحافظ العراقي فيما تقدم، روي عنه قال:"ما تحت أديم السماء كتابٌ أصح من كتاب مسلم" وكلامه كما أشار ابن حجر محتملٌ للمدعى أنه أصح من كتاب البخاري، وهو محتملٌ أيضاً لنفي الأصحية خاصة دون المساواة، كونه لا يوجد أصح منه لا ينفي أن يوجد مساوي له، كون صحيح مسلم لا يوجد كتاب على وجه الأرض أصح منه لا ينفي أن يوجد كتاب مساويٍ له في الأصحية، ويتأيد ذلك بحكاية التساوي قولاً ثالثاً في المسألة، فأبو علي إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم، ولم ينفِ المساوي، هذا ما قرره ابن حجر وتبعه عليه الحافظ السخاوي.
لكن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى في تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} [(١٢٥) سورة النساء] يقول: "فإن قيل: الآية نصٌ في دينٍ أحسن من دين هذا المسلم لكن من أين له أنه ليس هناك دينٌ مثله؟ " الآية نصٌ في دينٍ أحسن من دين الإسلام، لكن من أين لهذا المسلم أن يدعي أنه ليس هناك دينٌ مثله؟ أجاب -رحمه الله تعالى- من وجوه: والوجه الأول هو الذي يعيننا هنا، فقال: "أحدها: أن هذه الصيغة وإن كانت في أصل اللغة لنفي الأفضل لدخول النفي على أفعل فإنه كثيراً ما يضمر بعرف الخطاب يفضل المذكور المجرور بمن مفضلاً عليه في الإثبات، فإنك إن قلت: هذا الدين أحسن من هذا كان المجرور بمن مفضلاً عليه، والأول مفضلاً، فإذا قلت: لا أحسن من هذا أو من أحسن من هذا أو ليس فيهم أفضل من هذا، أو ما عندي أعلم من زيد، أو ما في القوم أصدق من عمرو، أو ما فيهم خيرٌ منه، فإن هذا التأليف يدل على أنه أفضلهم وأعلمهم وخيرهم، بل قد صار حقيقة عرفية، يعني هذه العبارة صارت حقيقة عرفية في نفي فضل الداخل في أفعل، وتفضيل المجرور على الباقي، وأنها تقتضي نفي فضلهم وإثبات فضله عليهم، وضمنت معنى الاستثناء كأنك قلت: ما فيهم أفضل من هذا أو ما فيهم المفضل إلا هذا، ثم ذكر -رحمه الله- بعد ذلك بقية الوجوه.