القبور) بضم الفوقية وكسر الزاي من أزاره إذا حمله على الزيارة. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فنعم إًذا) بالتنوين.
قال في شرح المشكاة: الفاء مرتبة على محذوف، ونعم تقرير لما قال يعني أرشدتك بقولي لا بأس عليك إلى أن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبروا شكرًا عليها فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله قاله غضبًا عليه. انتهى.
وزاد الطبراني من حديث شرحبيل والد عبد الرحمن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للأعرابي: "إذا أبيت فهي كما تقول وقضاء الله كائن" فما أمسى من الغد إلا ميتًا. قال في فتح الباري: وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث في هذا الباب، وأخرجه الدولابي في الكنى بلفظ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما قضى الله فهو كائن" فأصبح الأعرابي ميتًا.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وفي التوحيد، والنسائي في الطب وفي اليوم والليلة.
٣٦١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَاّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ. فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ خَارِجَ القَبْرِ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج واسمه ميسرة المقعد المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري التنوري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البصري (عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: كان رجل نصرانيًّا) لم يسم وفي مسلم أنه من بني النجار (فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الوحي (فعاد نصرانيًّا) كما كان، ولمسلم من طريق ثابت عن أنس فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه (فكان يقول) لعنه الله (ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله) ولمسلم فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم (فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض) بفتح الفاء في الفرع، وقال السفاقسي وغيره بكسرها أي طرحته ورمته من داخل القبر إلى خارجه لتقوم الحجة على من رآه ويدل على صدقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا) أي أهل الكتاب (هذا) الرمي (فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم) وللإسماعيلي: لما لم يرض دينهم (نبشوا عن صاحبنا) قبره (فألقوه) خارجه (فحفروا له فأعمقوا) بالعين المهملة أبعدوا (فأصبح) ولأبي ذر فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح (وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم) سقط لما هرب منهم لأبي ذر (فألقوه) خارج القبر (فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد)
ولأبي ذر: قد (لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس) بل من رب الناس (فألقوه) وفي رواية ثابت عند مسلم: فتركوه منبوذًا.
٣٦١٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة لجده واسم أبيه عبد الله المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: وأخبرني) بالإفراد وهو عطف على محذوف أي أخبرني فلان وأخبرني (ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا هلك كسرى) بكسر الكاف والفتح أفصح وأنكر الزجاج الكسر محتجًا بأن النسبة إليه كسروي بالفتح وردّ بنحو قولهم في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها فلا حجة والمعنى إذا مات كسرى أنو شروان بن هرمز وهو لقب لكل من ملك الفرس (فلا كسرى بعده) بالعراق (وإذا هلك) مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر بعده) بالشام قاله عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما يزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتون الشام والعراق تجارًا، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام فقال لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك قاله إمامنا الأعظم الشافعي، وقد عاش قيصر إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح وبقي ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاها لأنه لما أتاه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبله وكاد أن يسلم، وأما كسرى فمزق كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا عليه أن يمزق ملكه فذهب ملكه أصلاً ورأسًا فقد وقع مصداق ذلك فلم تبق مملكتهما على الوجه