للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ لَهَا : اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ. وَلَنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْتَظِمُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا، وَهُوَ تَسْلِيمُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ نَسْخُهُ لِإِطْلَاقِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَثَبَتَ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الِافْتِرَاضُ لِاسْتِلْزَامِهِ الْإِكْفَارَ بِجَحْدِ مُقْتَضَاهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمُ مُقْتَضَاهُ بَلْ لَازِمُهُ التَّفْسِيقُ بِهِ، فَكَيْفَ وَلَوْ ثَبَتَ بِهِ افْتِرَاضُ الطَّهَارَةِ كَانَ نَاسِخًا لَهُ، إذْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالدَّوَرَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ مَعَ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا.

فَجَعْلُهُ لَا يَخْرُجُ مَعَ عَدَمِهَا نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبْنَا عَلَيْهِ مُوجِبَهُ مِنْ إثْبَاتِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ حَتَّى أَثَّمْنَا بِتَرْكِهَا وَأَلْزَمْنَا الْجَابِرَ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرَ هَذَا لَا الِاشْتِرَاطَ الْمُفْضِي إلَى نَسْخِ إطْلَاقِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُؤَيِّدُ انْتِفَاءَ الِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ سُنَّةَ طَوَافِهَا. وَقَالَ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا وَمَنْصُورًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. وَقَدْ انْتَظَمَ مَا ذَكَرْنَاهُ الْجَوَابَ عَمَّا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. ثَانِيهِمَا مَنْعُ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ، وَنَقُولُ: بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْأَحْكَامِ. وَقَوْلُهُ «إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ» كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ مُسْتَأْنَفٌ بَيَانٌ لِإِبَاحَةِ الْكَلَامِ فِيهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الْمَشْيُ مُمْتَنِعًا لِدُخُولِهِ فِي الصَّدْرِ، وَكَأَنَّ الشَّيْخَ اسْتَشْعَرَ فِيهِ مَنْعًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمَشْيُ قَدْ عُلِمَ إخْرَاجُهُ قَبْلَ التَّشْبِيهِ فَإِنَّ الطَّوَافَ نَفْسُ الْمَشْيِ، فَحَيْثُ قَالَ صَلَاةٌ فَقَدْ قَالَ الْمَشْيُ الْخَاصُّ كَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ مَا سِوَى الْمَشْيِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنْ يَبْقَى الِانْحِرَافُ مُؤَيِّدًا لِلْوَجْهِ الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْفِيهِ، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَيُخَصُّ الِانْحِرَافُ أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاتِّفَاقِ رُوَاةِ «مَنَاسِكِهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ حِينَ طَافَ»، وَلِاعْتِبَارِهِ وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ، فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لَزِمَ الدَّمُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ.

فَالْجَوَابُ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ لَكَانَ مُقْتَضَاهُ وُجُوبَ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِيهِ لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يُفْتَرَضُ تَحْصِيلُهَا وَلَا يَجِبُ لَكِنَّهُ سُنَّةٌ، حَتَّى لَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ. اهـ.

فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الثَّوَابِ، وَيُضَافُ إيجَابُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ إلَى مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَإِيجَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إلَى قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>