. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خَلَا: قَالَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، ثُمَّ صَارَ إلَى لَحْمٍ حَتَّى مَاتَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِتَبَيُّنِهِ غَلَطَهُ أَوَّلًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ. اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّعْلِيلَ مَا وَقَعَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ، فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ﵀ لَقَالَ بِأَنَّك صِدْتَهُ لِأَجْلِي. قُلْنَا: كَلَامُ الشَّافِعِيِّ ﵀ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ. يَعْنِي عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صِيدَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا بِالْإِحْرَامِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ، وَبِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ الصَّعْبِ وَحَدِيثَيْ أَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ السَّابِقِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ.
أَمَّا عَلَى رَأْيِنَا وَهُوَ إبَاحَتُهُ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّا قُلْنَا: إنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُصَادَ؛ لِأَجْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ حُمِلَ حَدِيثُ الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ؛ لِأَجْلِهِ تَعَارَضَا فَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ فَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ بِعَدَمِ اضْطِرَابِهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ حَدِيثِ الصَّعْبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «إنَّهُ ﵊ أَكَلَ مِنْهُ». رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَجُزَ حِمَارٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ» وَمَا قِيلَ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، فَإِنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُجْمَعَ بَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الَّذِي تَعَرَّضَتْ لَهُ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ لَيْسَ سِوَى أَنَّهُ رَدَّهُ، وَعَلَّلَ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ سَكَتَ الْكُلُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَمَّا رَدَّهُ مُعَلِّلًا بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صِيدَ لِأَجْلِهِ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ فَقَبِلَهُ بَعْدَ الرَّدِّ وَأَكَلَ مِنْهُ، وَهَذَا جَمْعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ الِاصْطِيَادِ لِأَجْلِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَمَا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ رَدَّ الْحَيَّ وَقَبِلَ اللَّحْمَ. اهـ.
إلَّا أَنَّ هَذَا جَمْعٌ بِإِنْشَاءِ إشْكَالٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ رِوَايَةِ أَنَّهُ رَدَّ اللَّحْمَ وَهِيَ بَعْدَ صِحَّتِهَا ثَبَتَ عَلَيْهَا الرَّاوِي وَرَجَعَ عَمَّا سِوَاهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فِي رِوَايَةِ رَدِّ اللَّحْمِ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابٌ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَحَدِيثَ الصَّعْبِ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ. قُلْنَا أَمَّا إنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَبَعْضُهُمْ وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ فِيهِ ثَبْتًا صَحِيحًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ: «انْطَلَقْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ» الْحَدِيثَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ﵊ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَكَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ الْبَهْزِيِّ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّرِيرِ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute