أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ. لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ
(وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ الْآيَة
فِي الْخُلْعِ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالْخُلْعِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَحْتَمِلُهَا بَدَلُهُ، وَمِثْلُهُ مَا يُخْرِجُهُ نَخْلُهُ وَمَا يَكْسِبُهُ غُلَامُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا مَهْرُ الْمِثْلِ لِوَرَثَتِهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) يَعْنِي فِي قَوْلٍ عَنْهُ (لَا يَجِبُ فِي الْمَوْتِ شَيْءٌ) لِلْمُفَوِّضَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي صُورَةِ نَفْيِ الْمَهْرِ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ كَقَوْلِنَا (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَهُ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالُوا فِي الْمُفَوِّضَةِ نَفْسَهَا: حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ.
وَلَنَا أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْهَا فِي صُورَةِ مَوْتِ الرَّجُلِ فَقَالَ: بَعْدَ شَهْرٍ أَقُولُ فِيهِ بِنَفْسِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ نَفْسِي، وَفِي رِوَايَةٍ: فَمِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ بَرِيئَانِ.
أَرَى لَهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَأَبُو الْجَرَّاحِ حَامِلٌ رَايَةَ الْأَشْجَعِيِّينَ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ بِمِثْلِ قَضَائِكَ هَذَا، فَسُرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ سُرُورًا لَمْ يُسَرَّ مِثْلَهُ قَطُّ بَعْدَ إسْلَامِهِ.
وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْمَشْهُورِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظٍ أَخْصَرَ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِهِ». هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَلَهُ رِوَايَاتٌ أُخَرُ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ. وَاَلَّذِي رُوِيَ مِنْ رَدِّ عَلِيٍّ ﵁ لَهُ فَلِمَذْهَبٍ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ تَحْلِيفُ الرَّاوِي إلَّا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَلَمْ يَرَ هَذَا الرَّجُلَ لِيُحَلِّفَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَهَا عَنْهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ) أَيْ وُجُوبُهُ ابْتِدَاءَ حَقِّ الشَّرْعِ لِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ: أَيْ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ يَثْبُتُ لَهَا شَرْعًا حَقُّ أَخْذِهِ فَتَتَمَكَّنُ حِينَئِذٍ مِنْ الْإِبْرَاءِ لِمُصَادَفَتِهِ حَقَّهَا دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute