فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً.
قَالَ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا
يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ (بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ) غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ) لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ (أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ لِعَدَمِ الشُّغْلِ، وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الصِّغَرَ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضَ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ.
(قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا) وَفِي كُلٍّ مِنْ الصَّدْرِ وَالِاسْتِثْنَاءِ إشْكَالٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِهِ وَالْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَفْرُوضُ لَهَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ أَنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ لَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُسْتَعْمَلٌ فِي أَعَمَّ مِنْ الْوُجُوبِ: يَعْنِي أَنَّهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَقَرِينَةُ التَّخْصِيصِ هُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرَ تِلْكَ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ تَبِعَهُ فِيهِ.
وَفِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ الْمُتْعَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ثَابِتٌ لَهَا فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُتْعَةِ.
وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ هُنَا تَغْيِيرًا وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ، فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَنَقَلَ فِي الدِّرَايَةِ ضَبْطَهُ كَذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ) وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَقَوْلِهِ وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute