للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ،

فِي الذِّمَّةِ بَلْ مِثْلٌ تَقَعُ بِهِ الْمُقَاصَّةُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ: أَعْنِي نِصْفَ الْمَهْرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُمْسِكَ مَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَتُعْطِيَهُ غَيْرَهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِالطَّلَاقِ دَرَاهِمُ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ إلَّا مُعَيَّنَةً، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الْوَاجِبِ كَوْنُهَا لَهَا أَنْ تُمْسِكَهَا وَتَدْفَعَ غَيْرَهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي ثَانِي شِقَّيْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ الدَّيْنِ لَكِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ وَغَيْرُ مُسَبَّبٍ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمُسَبَّبَاتِ شَرْعًا. أَصْلُهُ حَدِيثُ: لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَبِوَاسِطَةِ لُزُومِ الِاخْتِلَافِ شَرْعًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّ فَصَارَتْ كَالْأُولَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ سُقُوطُ نِصْفِ الدَّيْنِ عَنْهُ تَحَقَّقَ بِالْإِبْرَاءِ، فَحِينَ حَصَلَ الطَّلَاقُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ شَغْلَ الذِّمَّةِ بِالْمَهْرِ وَهُوَ مَحَلُّ أَثَرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي شُغْلِ الذِّمَّةِ بِالْإِسْقَاطِ، فَلَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا آخَرَ كَمَا قَالَ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَيْنٍ لَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبِهِ فِي مَحَلِّهِ وَصَارَ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا التَّقْرِيرَ سَقَطَ عِنْدَكَ مَا تَكَلَّفَ فِي دَفْعِ لُزُومِ اخْتِلَافِ الْمُسَبَّبِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مِنْ تَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِتَغْيِيرِ صِفَاتِهَا، بِخِلَافِ الْأَوْصَافِ كَالدَّيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ، وَهُوَ دَفْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّغَيُّرِ شَرْعًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ، وَقِيَامُ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ النَّاعِتِ لَيْسَ مُحَالًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّحْقِيقَاتِ الْكَلَامِيَّةِ. ثُمَّ يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ إلَخْ عَلَيْهِ: أَيْ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ ذَاتًا لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ سَابِقًا فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا حِينَئِذٍ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي قَبْضِ النِّصْفِ إلْحَاقُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ: يَعْنِي لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَازَمَةَ تَحْكُمُ، فَإِنَّ رُجُوعَهُ فِي صُورَةِ قَبْضِ الْكُلِّ لَيْسَ لِكَوْنِهِ قَبَضَ الْكُلَّ وَلَا الْبَعْضَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا الْمُنَاطُ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ قَبْضِ النِّصْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَعَادَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الزَّوْجِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَاقَ الدَّيْنَ بِذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا: يَعْنِي يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَحَالُ الْهِبَةِ كَانَ كُلُّهُ مِلْكَهَا ظَاهِرًا، فَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ انْصَرَفَ إلَى حَقِّهَا كَمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَقَبَضَ صَاحِبُهُ نِصْفَهُ كَانَ الْمَقْبُوضُ حَقَّهُ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مَا قَبَضَتْ النِّصْفَ مِنْ الْبَاقِي أَوْ الْكُلَّ كَانَ الْوَاصِلُ إلَيْهِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هِبَةِ الْكُلِّ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ إلْحَاقَهُمَا الْبَعْضَ بِالْكُلِّ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ، وَتَقْرِيرُ الْوَجْهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ حَطَّتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>