أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَعْنَاهُ: ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ يَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ دُونَ صِفَتِهِ، وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا
الْمِثْلِ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوَسَطِ، وَالْحُكْمُ عِنْدَكُمْ وُجُوبُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى تُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهَا. أَجَابَ لَمَّا كَانَ الْوَسَطُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَقْوِيمِهِ صَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مُزَاحِمًا لِلْمُسَمَّى كَأَنَّهَا هُوَ فَهِيَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَيٍّ أَتَاهَا بِهِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ، وَفِيهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ إنَّمَا أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَبْدُ عَيْنًا وَالْقِيمَةُ مُخَلِّصٌ، أَلَا يُرَى إلَى التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِنَا كَأَنَّهَا هُوَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لِكَوْنِ الْمَهْرِ عَرَضًا رَاعَيْنَا صِفَةَ الْوَسَطِيَّةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِكَوْنِهِ مَالًا يُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُ جَهَالَةَ الصِّفَةِ صِحَّةُ الِالْتِزَامِ. قَالَ: وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالْعَيْنِ. هَذَا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَبِالرُّخْصِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبِيدِ السُّودِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَفِي الْعَبِيدِ الْبِيضِ بِخَمْسِينَ لَمَّا كَانَ فِي زَمَانِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ) بِأَنْ ذَكَرَ بَعْدَ نَوْعِهِ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَرِقَّتَهُ وَعَلَى مِنْوَالِ كَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ مِنْ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ كَمَا عَلَى أَخْذِ الثَّوْبِ، وَجَعْلُهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى عَيْنِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَعَمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَجَّلْ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ عَيَّنَ صِفَةَ الثَّوْبِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَتَاهَا بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَزُفَرُ يَقُولُ الثَّوْبُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفًا ثُبُوتًا صَحِيحًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute