(وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا)؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَكِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِمَا أَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ.
(فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَهَا
لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ هُنَاكَ مِنْ حُكْمِ السَّلَمِ لَا مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ الثِّيَابِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَاسْتَوَى ذِكْرُ الْأَجَلِ وَعَدَمُهُ. وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: لَكِنَّا نَقُولُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ سَلَمًا، فَعَرَفْنَا أَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا ثُبُوتًا صَحِيحًا لَا مُؤَجَّلًا اهـ.
وَظَاهِرُهُ تَرَجُّحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ حَاصِلُ الصُّورَةِ سَلَمٌ وَالْعَبْدُ رَأْسُ مَالِهِ وَالثِّيَابُ الْمُؤَجَّلَةُ السَّلَمُ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى تَرَجُّحُ قَوْلِ زُفَرَ إذْ لَمْ يَنْدَفِعْ قَوْلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجَلِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ كَعَلَيَّ أَرَدْبُ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ دُونَ صِفَتِهِ فَكَغَيْرِهِ مِنْ ثُبُوتِهِ وَإِجْبَارِهَا عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَإِنْ وَصَفَهُ كَجَيِّدَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ لَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَحِيحًا حَالًّا كَالْقَرْضِ وَمُؤَجَّلًا كَمَا فِي السَّلَمِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الصِّفَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تُوجِبُ الْوَسَطَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ لَا تَعَيُّنَ الْوَسَطِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا) وَبِهِ قَالَ الثَّلَاثَةُ، وَقَالُوا فِي رِوَايَةٍ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِامْتِنَاعِ الْعِوَضِ إذْ الْمُسَمَّى يَمْنَعُ عِوَضًا آخَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعُ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسَلِّمِ. قُلْنَا: امْتِنَاعُ التَّسْلِيمِ لَا يَزِيدُ عَلَى فَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَفَسَادُهَا لَا يَزِيدُ عَلَى اعْتِبَارِهَا عَدَمًا مَعَ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَفْسُدُ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ يَفْسُدُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنُهُ وَبِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يَصِيرُ رِبًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ زِيَادَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْعِوَضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَلَا رِبًا فِي النِّكَاحِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ) أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِيهِمَا: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute