وَهِيَ فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَانِيَةً نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ تَصْوِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ،
الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ فَلَا طَلَاقٌ مَشْرُوعٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامِيَّةُ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَفْوِيتُ مَعْنَى شَرْعِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ لَهُ كَذَلِكَ وَإِمْكَانِ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ، وَقَدْ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ لَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ.
وَلَنَا أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ لِلَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَجَاءَ يَسْأَلُ: عَصَيْت رَبَّك. وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَيْثُ قَالَ ﷺ «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَكَذَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إنَّ عَمَّك عَصَى اللَّهَ فَأَثِمَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَمَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ ﷿ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ نِسْبَةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ إلَى مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنَّهُمْ قَالُوا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَأَيْضًا لَنَا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ
الْمَصَالِحِ
الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَطْهَارِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَاجَةَ بَاطِنَةٌ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الرَّغْبَةِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً حُكِمَ بِالْحَاجَةِ إلَى الثَّلَاثِ كَذَلِكَ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَصَوُّرِ الْحَاجَةِ وَهِيَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ لِلْعِلْمِ بِارْتِفَاعِهَا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، فَأَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَرَرْنَاهُ فِي جَوَابِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ إلَى فِطَامِ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ ظَاهِرًا عُرُوضَ النَّدَمِ، وَطَرِيقُ دَفْعِهَا حِينَئِذٍ الثَّلَاثُ مُفَرَّقَةٌ عَلَى الْأَطْهَارِ لَا مَجْمُوعَةً لِمَا وَجَّهْنَا بِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فَلَا يُنَافِي الْحَظْرَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute