للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلِي الْحَيْضَةَ الْأُولَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ (مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا) وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هَاهُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَيْضِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ.

ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ. وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِيهِ: فَإِذَا طَهُرَتْ فِي حَيْضَةٍ أُخْرَى رَاجَعَهَا. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا وَرَاجَعَهَا فِيهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.

(وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ لِعُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ ﷿» وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا» وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةُ سَالِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَفْسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَقْوَى صِحَّةً. وَظَهَرَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «يُمْسِكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ» أَنَّ اسْتِحْبَابَ الرَّجْعَةِ أَوْ إيجَابُهَا مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْحَيْضِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا تُؤُمِّلَ، فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَوَجْهُ الظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ: أَيْ لَيْسَ لِجُزْئِهَا عَلَى حِدَتِهِ حُكْمٌ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حَيْضَتَيْنِ حَيْضَةٌ فَوَجَبَ تَكَامُلُهَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ حَيْضَةٌ إلَّا الثَّانِيَةُ فَلَغَا بَعْضُ الْأُولَى. وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَفَرَّعُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ إيقَاعُ الثَّالِثَةِ، وَعَلَى هَذَا فَرْعُ مَا لَوْ أَخَذَ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ فِي الْحَالِ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَيَقَعُ الثَّانِي، وَكَذَا الثَّالِثُ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا الْأُولَى ثُمَّ فِي أَوَّلِ كُلِّ طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ تَقَعُ أُخْرَى، فَمَا ذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ. هَذَا إذَا وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>