للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَايَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِك: خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ.

وَتَسْمِيَةُ الصُّورَتَيْنِ أُولَى ثُمَّ الصُّورَتَيْنِ ثَانِيَةً بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ مَدْخُولِ إلَى فِي الصُّورَتَيْنِ، فَالْأُولَى مَا كَانَ مَدْخُولُ إلَى ثِنْتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ مَا كَانَ مَدْخُولُهَا ثَلَاثًا.

ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ زُفَرَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ زُفَرَ لَا يُدْخِلُ الْحَدَّيْنِ لَا الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ، وَالْعُرْفُ أَنْ يُرَادَ بِالْغَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقَطْ مَدْخُولَةُ إلَى وَحَتَّى لِأَنَّهَا الْمُنْتَهَى. فَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِاسْتِعْمَالِ الْغَايَةِ فِي الْحَدِّ: أَيْ الْحَدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْحَدُّ وَالْمَضْرُوبُ لَهُ هُوَ الْبَيْعُ مَثَلًا فَلَا يَدْخُلُ الْحَدَّانِ فِيهِ، فَكَذَا فِي الطَّلَاقِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِتَسْمِيَةِ الْأُولَى غَايَةً فِي وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى. وَالْمُرَادُ بِالْقِيَاسِ قَضِيَّةُ اللَّفْظِ لَا الْقِيَاسُ الْأُصُولِيُّ، لِأَنَّ زُفَرَ إنَّمَا بَنَى جَوَابَهُ عَلَى قَضِيَّةِ اللَّفْظِ كَمَا يُفِيدُهُ جَوَابُهُ الْمَنْقُولُ لِلْأَصْمَعِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عِنْدَ بَابِ الرَّشِيدِ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَقَالَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا فَأَلْزَمَهُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ كَمْ سِنُّك فَقَالَ: مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ تِسْعَ سِنِينَ فَيَكُونَ إيرَادُ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ ذِكْرَ مَحِلٍّ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ كَالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ بِذِكْرِ مَحِلِّ إعْمَالِهِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَتْرُوكِ الظَّاهِرِ لَا لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذِكْرَ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى تَمَامِ الدَّلِيلِ لَا أَصْلَ لِلْقِيَاسِ فَيَكُونَ جُزْءَ الدَّلِيلِ، ثُمَّ قَدْ نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَا نُسِبَ إلَى الْأَصْمَعِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الْإِلْزَامِ: كَمْ سِنُّك؟ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: سِنُّك غُبَّرًا تِسْعُ سِنِينَ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُجِيبَ فِيمَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَنَحْوِهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ كَمْ سِنُّك فَيُجِيبَ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ دُونَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةً وَسِتِّينَ وَنَحْوَهُ مَعَ ظُهُورِ وُرُودِ الْإِلْزَامِ حِينَئِذٍ إلَّا وَقَدْ أَعَدَّ جَوَابَهُ فَلَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ.

عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ إلْزَامِ الْأَصْمَعِيِّ: اُسْتُحْسِنَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ فِي وَجْهِ اسْتِحْسَانِهِ أَنَّ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ سِنِّي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ عُرْفًا فِي إرَادَةِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ، وَلَا عُرْفَ فِي الطَّلَاقِ إذْ لَمْ يُتَعَارَفْ التَّطْلِيقُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ قِيلَ مِنْ طُرَفِهِ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ فَكَيْفَ يَكُونُ تِسْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ إلَى تِسْعٍ وَسِتِّينَ لَا وَاحِدَةٌ إلَى تِسْعَةٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّى لَفْظِ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَجَوَابُ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالْأَوْجُهُ مَا ذَكَرْنَا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>