(وَكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتِيَارَةً فَقَالَتْ: اخْتَرْت) لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الِاخْتِيَارَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَالِانْفِرَادِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى فَصَارَ مُفَسَّرًا مِنْ جَانِبِهِ.
(وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى الزَّوْجُ) لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسَّرٌ، وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ (وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي.
مَا بَعْدَهُ، وَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ جَعَلَ لَهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ تَخْتَارَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَا يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ إذْ هُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ تَرْكِ حَقِّ تَمَلُّكِ نَفْسِهَا فَهُوَ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ تَرْكِ حَقِّ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي اخْتِيَارَةً إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ذِكْرَهُ الِاخْتِيَارَةَ فِي كَلَامِهِ تَفْسِيرٌ مِنْ جَانِبِهِ كَذِكْرِهِ نَفْسَهَا، فَلَوْ لَمْ تَزِدْ هِيَ عَلَى اخْتَرْت وَقَعَتْ بَائِنَةً.
وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْهَاءَ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ بِمَا شِئْت فَقَالَتْ: اخْتَرْت يَقَعُ الثَّلَاثُ، فَلَمَّا قَيَّدَ بِالْوَحْدَةِ ظَهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَخْيِيرَهَا فِي الطَّلَاقِ فَكَانَ مُفَسَّرًا، فَإِلْزَامُ التَّنَاقُضِ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ هُنَا إمْكَانَ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ وَلَوْ ثَلَاثًا وَنَفَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ مُنْدَفِعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِمَّا ذَكَرْنَا كَوْنُ الِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ يَتَنَوَّعُ كَالْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ حَتَّى يُصَابَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ لَفْظٍ آخَرَ.
فَإِنْ قِيلَ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي وَنَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا. قُلْنَا: عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ، وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ، وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمَّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ يُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ، وَلَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ تَقَعُ رَجْعِيَّةً كَأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَ اللَّفْظِ إيقَاعًا، لَكِنَّ قَوْلَ «عَائِشَةَ ﵂ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاخْتَرْنَاهُ وَلَمْ يَعْدُدْهُ عَلَيْنَا شَيْئًا» رَوَاهُ السِّتَّةُ. وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " فَلَمْ يَعْدُدْ " يُفِيدُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ: فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ " أَنَا " أَوْ لَا، فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute