وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ ﵂، فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» اعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِكَايَةٍ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ
أَنَا أُطَلِّقُ حَيْثُ لَا تُطَلِّقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ: أَنَا أُعْتِقُ لَا يُعْتَقُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فَقُلْتُ: فَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتُ».
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَاعْتَبَرَهُ ﷺ جَوَابًا. لَا يُقَالُ: قَدْ ذَكَرَتْ أَنَّ التَّخْيِيرَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ ﷺ لَيْسَ هَذَا الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ بَلْ إنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ يُطَلِّقُهُنَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ اعْتِدَادُهُ ﷺ جَوَابًا يُفِيدُ قِيَامَ مَعْنَاهُ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ) هُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ، وَقِيلَ بِالْقَلْبِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ لِلْحَالِ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا يُرَجَّحُ هُنَا إرَادَةُ أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ: أَعْنِي الْحَالَ بِقَرِينَةٍ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ فَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِاللِّسَانِ عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ حَالَ الْإِخْبَارِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute