لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ، إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأٌ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ
مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ إذَا خُلِقَ مِنْ مَائِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنِيَّةٍ إلَّا بِذَلِكَ التَّحْقِيقِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَا بِاللَّفْظِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ لَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِتَصْحِيحِهِ يَجِبُ كَوْنُهُ خَبَرًا صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا تَضَمَّنَهُ النِّدَاءُ بِالْوَصْفِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي يَا حُرُّ مُسَاهَلَةٌ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْجَوَابِ فَإِنَّ الثَّابِتَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنْ قَرَّرَ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ أَوْ إثْبَاتُهُ مِنْهُ بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِالْوَصْفِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ شَاذَّةٌ فَلَيْسَ وَجْهُهَا إلَّا لُزُومُ الثُّبُوتِ اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ بِتَحَقُّقِ وَصْفِ الْأَبْنِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ، وَعَدَمُ الْعِتْقِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّسَبِ.
(قَوْلُهُ لَهُمْ أَنْ هَذَا كَلَامٌ مُحَالٌ) أَيْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مُحَالٌ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو نَفْسُهُ، وَإِذَا عُدَّ لَغْوًا لَمْ يُوجِبْ حُكْمًا أَصْلًا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَغَا قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute