حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ، وَمَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ.
لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْعِتْقُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمَجَازِ عِنْدَهُمَا تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمَجَازِيَّ لَيْسَ مَحَلًّا، وَعِنْدَهُ لَا بَلْ الشَّرْطُ صِحَّةُ التَّرْكِيبِ لُغَةً بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا، وَمَنْ سَعِدَ بِانْتِهَاضِ وَجْهِهِ فِي الْمَبْنِيِّ سَعِدَ بِهَذَا الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ وَأَنَّهُ طَرِيقُ الْمَجَازِ، بَلْ يَشْتَرِطَانِ بَعْدَ ذَلِكَ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ: أَيْ الْحَقِيقِيِّ. فَتَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْ تَقُولَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَلَفِ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْ تَعْيِينِ الْمَجَازِ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ، فَعِنْدَهُمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يُثْبِتُهُ الْمَجَازُ كَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي يُثْبِتُهُ نَفْسُ هَذَا اللَّفْظِ إذَا كَانَ حَقِيقَةً وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّكَلُّمِ: يَعْنِي نَفْسَ الْكَلَامِ فَيَكُونُ لَفْظُ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْحُرِّيَّةِ خَلَفًا عَنْ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ. وَقِيلَ بَلْ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ هَذَا حُرٌّ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْآخَرِ صَحِيحًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا خِلَافًا سِوَى فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ، وَعَلَى مَا قِيلَ يَكُونُ فِيهَا، وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا أَنَّهُ نَفْسُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَجَازُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ اللَّفْظُ الَّذِي يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِيجَابِ بِصِيغَتِهِ، فَإِذَا وُجِدَ وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صِحَّةَ الْأَصْلِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مَعَ تَعَذُّرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ، أَمَّا فِي هَذَا حُرٌّ فَصَحِيحٌ لَفْظُهُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا مَرَّةً بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ لِتَوَقُّفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِهِ وَإِلَّا اسْتَحَالَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ، وَمَرَّةً بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ حَيْثُ يَحْنَثُ عَقِيبَ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ دُونَ الثَّانِيَةِ، فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ، وَلَمَّا أَمْكَنَ الْبِرُّ فِي الْأُولَى لِتَصَوُّرِ مَسِّ السَّمَاءِ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ، فَرَأَيْنَا الْخَلَفَ يُعْتَمَدُ قِيَامُهُ مَكَانَ الْأَصْلِ، وَتَارَةً بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْخَلَفِيَّةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى فَهْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِيَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى اللَّازِمِ الْمُرَادِ، وَفَهْمُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ تَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ. وَنُجِيبُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ تِلْكَ الْخَلْفِيَّةَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ، وَمَعْنَى خَلْفِيَّةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِآخَرَ هُوَ كَوْنُهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ شَرْعًا بِتَقْدِيرِ تَعَذُّرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute