وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ يُعْتَقُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ
إنَّهُ يَلْغُو فَقَالَ بَلْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ هَذَا جَدِّي فَأَجَابَ عَنْهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ. وَثَانِيًا بِالْفَرْقِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ اتِّفَاقًا. وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي) أَيْ لِعَبْدِهِ (لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ، فَحَوَالَةُ وَجْهِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَيُعْرَفُ مِنْهُ وَجْهُ هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْأُخُوَّةَ سَبَبٌ لِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ، وَحَوَالَةُ الظَّاهِرِ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذَا جَدِّي، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ.
وَنَظِيرُهُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَا ذِكْرَ لِمَا بِهِ يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي التَّرْكِيبِ فَلَا يُفِيدُ حُكْمًا، وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تُقَالُ لِمَا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالدِّينِ فَلَا يَتَعَيَّنُ النَّسَبُ إلَّا بِدَلِيلٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ عَتَقَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ تَخْرِيجُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ التَّعْيِينِ لِثُبُوتِ اسْتِعْمَالِهِ كَثِيرًا فِي مَعْنَى الشَّفَقَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هَذَا لِأَنَّهُ أَيْسَرُ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى وَهِيَ الْمُتَعَيِّنَةُ هُنَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ هَذَا أَخِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِهِ.
وَدَفَعَهُ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُشَارِكِ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْقَبِيلَةِ، وَحُكْمُ الْمُشْتَرَكِ التَّوَقُّفُ إلَى الْقَرِينَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي وَنَحْوِهِ عَتَقَ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي اللَّفْظِ لِيَكُونَ مَجَازًا عَنْ لَازِمِهِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِ طَرِيقِهِ، يَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْعُ الِاشْتِرَاكِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي النَّسَبِ مَجَازٌ فِي الْبَاقِيَاتِ؛ وَلَوْ دَارَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى وَأَنَّ عِلَّةَ عِتْقِ الْقَرِيبِ عِنْدَنَا الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا خُصُوصَ الْوِلَادِ وَلِذَا يُعْتَقُ فِي هَذَا خَالِي وَعَمِّي وَهِيَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا أَخِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ، بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً، وَهَذَا يُقَوِّي مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي هَذَا ابْنِي فَلَا يَخْلُصُ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْعِتْقِ فِي هَذَا أَخِي وَهِيَ مَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي) وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute