للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ كَذَا هَذَا فَتَمْتَنِعُ الْخِدْمَةُ وَنَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ.

هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ عِنْدَ مَوْتِ الشَّرِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ جِهَةِ شَرِيكِي، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ أَعْتَقَ شَرِيكِي نَصِيبَهُ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَضْمِينِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهُوَ مُنْكِرٌ لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الرِّقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إفْسَادِهِ بِإِعْتَاقِهِ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهُ بِفَسَادِهِ ثُمَّ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَمَامِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَعَى لَهُ وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي السِّعَايَةِ بَلْ فِي تَضْمِينِ الشَّرِيكِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ لِإِنْكَارِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا. وَضَمَّهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ وَقَالَا بِاعْتِبَارِ قَوْلٍ مَرْجُوعٍ لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَنْبَغِي مِثْلُهُ أَنْ يُفْعَلَ إلَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْبَيَانِ فَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الْآنَ مَا لَيْسَ هُوَ قَائِلًا بِهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ خِدْمَةَ الْمُنْكِرِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ؟ الْأَوَّلِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ صَارَ حَقُّ الْمُنْكِرِ فِي سِعَايَتِهَا وَتَخْرُجُ بِهَا إلَى الْحُرِّيَّةِ. وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ، وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا: أَيْ تَأْخُذُ جِنَايَتَهَا مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ.

(قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ اسْتَوْلَدَهَا. كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِذَا صَارَ لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَوْلِدِ امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُقِرُّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ الِاسْتِخْدَامُ، وَالْمُقِرُّ أَيْضًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْدَامُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْحَالُ أَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهَا وَمَنَافِعِهَا عِنْدَهَا، وَلَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ شَرِيكِهِ، فَإِذَا اسْتَسْعَاهَا فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْمُنْكِرَ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَالْمُقِرَّ يُبَرِّئُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>