. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سَأَلَهُمْ جَمِيعًا فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِاَلَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ أَيْضًا مَوْقُوفًا، وَكَذَا النَّسَائِيّ عَلَى عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إسْنَادِ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ، وَهُوَ حَسَنٌ مُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِالدِّيَةِ فِيمَا قَبْلَهُ.
وَحَاصِلُ مَا تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ ﷺ سُرَّ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، وَأَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّهُ ﷺ لَمْ يُنْكِرْ إثْبَاتَ عَلِيٍّ النَّسَبَ بِالْقُرْعَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا يُنْسَبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ هُوَ سُرُورُهُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ. فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ سُرُورَهُ كَانَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ ﵁ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ فَكَانُوا لِذَلِكَ يَطْعَنُونَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ قَوْلَ الْقَافَةِ فَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مَقْطَعًا لَطَعَنَهُمْ، فَسُرُورُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قَطْعِ طَعْنِهِمْ وَاسْتِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنْ التَّأَذِّي بِنَفْيِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ خَطَئِهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ كَوْنُ الْقِيَافَةِ حَقًّا فِي نَفْسِهَا فَتَكُونُ مُتَعَلَّقَ سُرُورِهِ أَيْضًا، أَوْ لَيْسَتْ حَقًّا فَيَخْتَصُّ سُرُورُهُ بِمَا قُلْنَا فَلَزِمَ أَنَّ حُكْمَنَا بِكَوْنِ سُرُورِهِ بِهَا نَفْسِهَا فَرْعُ حُكْمِنَا بِأَنَّهَا حَقٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّيَّتِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ. وَطَعَنَ يَطْعَنُ بِضَمِّ عَيْنِ الْمُضَارِعِ بِالرُّمْحِ وَفِي النَّسَبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُسْتُدِلَّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَافَةِ بِحَدِيثِ اللِّعَان حَيْثُ قَالَ ﷺ فِيهِ «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» وَهَذِهِ هِيَ الْقِيَافَةُ، وَالْحُكْمُ بِالشَّبَهِ.
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ ذَلِكَ ﷺ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ لَا الْقِيَافَةِ. وَقَدْ يُقَالُ الظَّاهِرُ عِنْدَ إرَادَةِ تَعْرِيفِهِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيَافَةُ مُعْتَبَرَةً لَكَانَ شَرْعِيَّةَ اللِّعَانِ تَخْتَصُّ بِمَا إذَا لَمْ يُشْبِهَ الْمَرْمِيَّ بِهِ أَشْبَهَ الزَّوْجَ أَوْ لَا لِحُصُولِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنًا لِلنَّافِي، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِكَذِبِهَا فِي نَسَبِ الْوَلَدِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَقِّيَّةَ قِيَافَتِهِ ﷺ حَقِّيَّةَ قِيَافَةِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْقِيَافَةَ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ ظَاهِرَةٍ يَسْتَوِي النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ إنَّهُ ﷺ سُرَّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ ﵁ وَهُوَ إلْحَاقُهُ بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَطُرُقُهُ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ صَحِيحَةٌ لِتَقْرِيرِهِ ﷺ إيَّاهُ، بَلْ سُرَّ بِهِ، فَإِنَّ الضَّحِكَ دَلِيلُهُ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِنَسْخِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى مَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ مِنْ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْقُوَّةِ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ شُرَيْحٍ؛ لِخَفَائِهَا وَعَدَمِ تَثْبِيتِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ قِصَّةً مُرْسَلَةً، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَكَذَا عُرْوَةُ عَنْهُ، لَكِنَّهُمَا إمَامَانِ لَا يَرْوِيَانِ إلَّا عَنْ قُوَّةِ أَمِينٍ مَعَ حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ بِهِ مِنْ هَذَيْنِ؟ عَلَى أَنَّ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَعَمْ فِي إسْنَادِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رُبَّمَا يَكُونُ كَالْمَوْصُولِ بِعُمَرَ؛ لِأَنَّ سَعِيدًا رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ مِثْلِ هَذَا، وَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ عُمَرَ بِالْقِيَافَةِ لَزِمَ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ فِي سُرُورِهِ ﷺ وَهُوَ كَوْنُ الْحَقِّيَّةِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ ثَابِتٌ، وَالشَّافِعِيُّ ﵀ لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اثْنَيْنِ يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ لَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ اثْنَيْنِ إذْ حَلَّ مَحِلَّ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَلْزُومٌ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّ سُرُورَهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا إلَّا بِرَدِّ طَعْنِهِمْ أَوْ ثُبُوتِ نَسْخِهِ وَبِهِ نَقُولُ، إلَّا أَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute