للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ مُبْتَدَإٍ، وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ.

النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» (وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا) أَيْ بِمَا هُوَ كَبِيرَةٌ (بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ) بِأَنْ يَحْنَثَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الْبِرِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ (فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ مُبْتَدَإٍ) غَيْرِ مُقَارِنٍ مُتَعَمِّدٍ بِنَفْسِ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْغَمُوسِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ.

وَحَاصِلُ هَذَا إبْدَاءُ وَصْفٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُبَاحًا وَادِّعَاءُ كَوْنِهِ جُزْءَ الْمُؤَثِّرِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ وَقَدْ نُقِضَ بِالظِّهَارِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ الْعَوْدُ لَا نَفْسُ الظِّهَارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ وَهُوَ مُبَاحٌ لِكَوْنِهِ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَبِالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بِخَمْرٍ أَوْ زِنًا. وَأُجِيبَ: الْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ الْفِطْرِ الْعَمْدِ الْمُشْتَهَى، وَيَجِبُ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا كَبِيرَةٌ. وَلَخَّصَهُ آخَرُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي نَفْسِهِ وَحَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَوَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَالْكَفَّارَةُ بِالثَّانِي. وَنُقِضَ أَيْضًا بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدًا عَمْدًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ لَيْسَ حَرَامًا؛ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمُ لَمْ يُحَرَّمْ وَإِنَّمَا حُرِّمَ بِإِحْرَامِهِ وَبِالْحُرُمِ لَا بِنَفْسِهِ، وَصَحَّحَ شَارِحٌ الْإِيرَادَ وَمَنَعَ نَفْيَ كَوْنِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَجَعَلَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ خَبْطًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْفَسَادِ فِيهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ قَوْلِهِمْ الْمَعْصِيَةُ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً بِمَا إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ.

وَمَرْجِعُهُ إلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ فِي الْفِعْلِ لِذَاتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا كَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، وَكَوْنُ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ مِنْهُ قَدْ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ أَوْ عِبَادَةٌ إذْ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَهَذَا لَا يَسْقُطُ مِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ الْحَالِفِ غَمُوسًا، وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا، وَإِنَّمَا رَوَّجَ بِهِ بَاطِلَهُ فَقُبْحُهَا لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>