للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الصِّدْقَ فِيهِ مُرَجَّحٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِهِ مَضَرَّةٌ وَمَعَرَّةٌ، وَالْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَذِّرٌ، فَيُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ.

بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ

(قَوْلُهُ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) ابْتَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ، وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطِيعَةِ، وَالزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ وَتُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ، وَعَلَيْهَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ … وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسْكِرًا

بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ التَّسْكِيرِ، وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، قَالَ: وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ، أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُنَاكَ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَخُصَّ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ لِنَفْيِ ثُبُوتِهِ بِعِلْمِ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دُونَ الْحَاصِلِ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ. قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ وَنُقِلَ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ تَعْلِيلٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّهَا يَثْبُتُ بِهَا غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَحَاصِلُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَطْعُ اكْتَفَى بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ فِي الْبَيِّنَةِ وَفِي الْإِقْرَارِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِسَبَبِ الْحَدِّ يَسْتَلْحِقُ مَضَرَّةً فِي الْبَدَنِ وَمَعَرَّةً فِي الْعَرْضِ تُوجِبُ نِكَايَةً فِي الْقَلْبِ فَلَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>