للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ وَجَدَ الشُّهُودَ عَبِيدًا فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ) وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بَعْدُ، وَلِأَنَّهُ ظَنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ مُعْتَمِدًا عَلَى دَلِيلٍ مُبِيحٍ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَنَّهُ حَرْبِيًّا وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَوَاقِلُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ (وَإِنْ رُجِمَ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ فِعْلَهُ

وَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِيمَا إذَا ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا وَرَجَعَ الْمُزَكُّونَ أَيْضًا. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الَّتِي فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ فَحَسْبُ وَالتَّفَاوُتُ ظَاهِرٌ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: مَا إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا وَرَجَعُوا، وَمَا إذَا رَجَعُوا فَقَطْ؛ وَأَمَّا تَعْزِيرُهُمْ فَبِاتِّفَاقٍ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُجْمَعِ: وَلَوْ شَهِدُوا فَزُكُّوا فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ إنْ تَعَمَّدُوا. وَقَالَا: فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَلَوْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عُزِّرَ، وَإِلَّا يُفِيدَ تَحَقُّقَ الْخِلَافِ فِي الضَّمَانِ فِي مُجَرَّدِ رُجُوعِهِمْ، بَلْ أَفَادَ مُجَرَّدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى التَّعْزِيرِ، فَالْإِشْكَالُ قَائِمٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى مَا مَشَى هُوَ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْجَمْعِ اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ مَعَ الظُّهُورِ لِتَحَقُّقِ الْخِلَافِ فَلَا يَنْفَرِدُ الظُّهُورُ بِالتَّضْمِينِ الْخِلَافِيِّ بَلْ الِاتِّفَاقُ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَيُذْكَرُ، وَيَنْفَرِدُ رُجُوعُ الْمُزَكِّينَ بِالتَّضْمِينِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَهْوَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ مِنْ الْعَجَبِ كَوْنَ مُجَرَّدِ رُجُوعِ الْمُزَكِّينَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يُذْكَرُ فِي الْأُصُولِ كَالْجَامِعِ وَالْأَصْلِ

(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ إلَخْ) اسْتَوْفَى أَقْسَامَهَا فِي كَافِي حَافِظِ الدِّينِ فَقَالَ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا بَعْدَ الْقَضَاءِ ثُمَّ وَجَدَ الشُّهُودَ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَحْقُونَ الدَّمَ عَمْدًا، لَكِنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ مُبَاحَ الدَّمِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ وَهُوَ قَدْ حَزَّ رَقَبَتَهُ فَلَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الْقَاضِي لِيَصِيرَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالرَّجْمِ نَفَذَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَحِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ صَحِيحًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ نُفِّذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ، فَإِذَا نُفِّذَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً: يَعْنِي فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ فَصَارَ كَمَنْ قَتَلَ إنْسَانًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ.

وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، وَمَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا كَالدِّيَةِ، بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ وَمَا فِي الْكِتَابِ لَا يَخْفَى بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ رَجَمَ) ضَبَطَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>